فليتبوأ مقعده من النار ، فإذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فلا تأخذوا به». ومن أجل هذا لا نأخذ بحديث قبول التوبة إذا بلغت الروح الحلقوم .. وغير بعيد ان حكام الجور في عهد الأمويين والعباسيين قد أوعزوا الى بعض أذنابهم أن يضع لهم هذا الحديث ، ليحتجوا به أمام المحكومين بأن لهم مندوحة عند الله ، مهما جاروا وأفسدوا .. فلقد كان لكل حاكم منهم حزمة من فقهاء السوء يبررون أعمالهم ، ويكيفون الدين طبقا لأهواء الشياطين.
الأمر الثاني : ان قبول التوبة عند الموت إغراء بارتكاب الذنب والمعصية .. وهذا من عمل الشيطان ، لا من عمل الرحمن.
الأمر الثالث : ان الله سبحانه انما يقبل العمل من العامل إذا صدر منه عن ارادة وحرية كاملة .. وبديهة ان الإنسان انما يكون حرا بالنسبة الى العمل إذا كان قادرا على فعله وتركه معا ، أما إذا قدر على الفعل دون الترك ، أو على الترك دون الفعل فانه يكون مسيرا لا مخيرا ، ومن هذا الباب التوبة عند الموت ، إذ المفروض ان التائب في هذه الحال يعجز عن اقتراف الذنب والمعصية ، تماما كما يعجز عنها من يقول غدا : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) ـ ١٢ الدخان». فان قبل الله التوبة ممن يساق الى القبر فينبغي ان يقبلها ممن يعذب في النار .. والفرق تحكم. ولذا سوّى الله بينهما ، وعطف أحدهما على الآخر ، حيث قال : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) أي ان الله سبحانه لا يقبل التوبة أيضا من الذين يموتون على الكفر ، ولا يندمون إلا حين يرون العذاب يوم القيامة ، بل لا يقبلها منهم ، وهم في طريقهم الى هذا اليوم ، كما دلت الآية ١٠٠ من سورة المؤمنين : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
أجل ، يجوز في نظر العقل أن يعفو جل وعز ويصفح عن المذنبين ، وان لم يتوبوا تفضلا منه وكرما .. ولكن هذا شيء ، وقبول التوبة عند الموت شيء آخر.