على أن تكون من في (مما) للبيان لا للتبعيض ، ان هذا النصيب هو كل ما اكتسبوه لا بعضه. وموالي مفعول أول لجعلنا. ولكل متعلق بمحذوف مفعولا ثانيا ، والتقدير جعلنا موالي وارثين لكل مال (١) تركه الوالدان والأقربون ، وعلى هذا تكون من في (مما) للبيان ، لا للتبعيض ، كأنّ قائلا يقول : ما هو المال الذي ترثه الموالي ، فقيل : هو كل ما تركه الوالدان والأقربون. والذين عقدت ايمانكم (الذين) مبتدأ ، وخبره فآتوهم نصيبهم ، وجاز دخول الفاء على الخبر لأن اسم الموصول فيه رائحة الشرط.
المعنى :
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ). ظاهر النهي ان الإنسان لا يجوز له أن يتمنى لنفسه ما يستحسنه عند غيره من النعمة والفضل ، سواء أتمنى مع ذلك زوال النعمة عن الغير ، وهو الحسد المذموم ، أم لم يفكر في ذلك إطلاقا ، بل تمنى أن يكون له مثل ما لغيره ، وهذه هي الغبطة.
ولكن ظاهر الآية على إطلاقه غير مراد ، لأن الغبطة لا بأس بها ، ولا ضرر منها ، أما الحسد فمحرم إذا بغى صاحبه على المحسود ، أو تضمن الاعتراض على الله وحكمته ، قال الرسول الأعظم (ص) : «إذا حسدت فلا تبغ» أي إذا شعرت من نفسك الرغبة في زوال النعمة عن غيرك فتمالك واكبت هذا الشعور ، وجاهده كي لا يظهر له أثر الى الخارج في قول أو فعل .. فان تمالكت فأنت غير مسؤول أمام الله ، وان اندفعت وراء شعورك تدس وتفتري على صاحب النعمة فإنك معتد أثيم.
وعلى هذه الحال وحدها يحمل النهي في الآية ، لأن قول الرسول (ص) : «إذا حسدت فلا تبغ» بيان وتفسير لها ، وإذا جاز للإنسان أن يتمنى لنفسه مثل ما لغيره من دون بغي فبالأولى أن يجوز له أن يتمنى ما يشاء من الخير ،
__________________
(١) لو قدرنا لكل انسان كما فعل غيرنا لكانت الموالي من جملة متروكات الإنسان ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقدير محذوف ، أما إذا قدرنا لكل مال كما فعلنا نحن فيستقيم المعنى من غير حذف.