قوله تعالى : (لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً). ويجوز الرفع على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره مذمومون أو معذبون ، وعلى هذا يكون الكلام مستأنفا. والذين ينفقون عطف على الذين يبخلون. ورئاء مفعول من أجله لينفقون ، ويجوز أن تكون في موضع الحال ، أي مرائين ، وله متعلق بكلمة قرين الأولى. وساء فعل ماض ، والفاعل مستتر يعود على قرين. وكلمة قرين الثانية تمييز.
المعنى :
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ). بعد أن أمر سبحانه في الآية السابقة بالبذل والإحسان هدد في هذه الآية من يبخل ، ويأمر غيره بالبخل .. وكل بخيل يأمر الناس بالبخل ، بل كل مسيء يود أن يجد له أقرانا وأمثالا ، لكي تتوزع المسئولية على الجميع : ويتقي ألسنة القدح والذم .. وبديهة ان كثرة اللصوص لا تبرر اللصوصية ، وتجعلها حلالا ، بل تضاعف من جرمها وجريرتها.
وما رأيت كلاما تستجيب له النفس كالأمر بالبخل والإمساك ، ذلك ان المال عزيز يعادل الروح ، ولا تسخو بشيء منه ـ في الغالب ـ إلا بعد جهد جهيد ، والأمر بالإمساك يصادف هوى في النفس ، فتستجيب له بيسر وسهولة .. قال الشيخ محمد عبده عند تفسير هذه الآية : ان للآمرين بالبخل شبهة قوية ، وقد أثرت في نفسي ، فكنت أرد الدراهم الى جيبي بعد إخراجها ، لأن المنفرين من الإنفاق كانوا يقولون لي : ان هذا غير مستحق ، وإعطاؤه اضاعة ، فإذا وضعت المال في مكان آخر يكون خيرا وأولى.
والصحيح ما قلناه : ان الأمر بالبخل إنما يؤثر على المرء حين يجد هوى في نفسه ، لا لقول المنفرين وشبهتهم ، ومهما يكن ، فان العظيم هو الذي يتغلب على هوى نفسه ، ويرغمها على تقبل الشاق العسير ، ان كان فيه خيرها وصلاحها. قال الإمام علي (ع) : أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه. وفي الحديث : أفضل الأعمال أحمزها ، أي أشقها.