وكما ان الشيطان قرين له في الدنيا فهو قرين له في الآخرة أيضا ، فقد جاء في الحديث : الإنسان مع من أحب. وقال الإمام علي (ع) : «فكيف إذا كان بين طابقين من نار : ضجيع حجر ، وقرين شيطان».
والشيطان يقسّم أتباعه الى أقسام ، ويوكل الى كل مهمة تناسبه ، تماما كقائد الجيش ، فمنهم من يغريه بإراقة الدماء ، والتعدي على الشعوب الآمنة ، كالدول التي أوجدت إسرائيل ، وأمدتها بالمال والسلاح للاعتداء على العرب وبلاد العرب ، لا لشيء الا لتخضعهم للاستعمار سياسيا واقتصاديا. وقسم يغريهم بالفسق والفجور والتهتك والتبرج. وقسم يأمرهم بالصلاة والصيام ، وارتداء ثوب الصالحين والزاهدين ، ليصطاد بهم البسطاء والأبرياء.
وإذا استعصى عليه المتقون ، وأعيته فيهم الحيل رضي منهم ولو بكلمة حق يقولونها تلبية لطلبه ، روي ان إبليس قال لعيسى ابن مريم (ع) : قل : لا إله الا الله. قال له عيسى : أقولها ، لا لقولك ، بل لأنها حق. فرجع اللعين خاسئا .. وترمز هذه الحكاية الى ان الإيمان لا يكون بالتهليل والتكبير ، ولا بالصيام والصلاة ، فإن هذه قد تكون من مصائد الشيطان ومكائده ، وانما الإيمان الحق يقاس بالعلم بالله وأحكامه ، ومعرفة مداخل الشيطان التي تفسد على المؤمن إخلاصه وأعماله.
(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ). لقد ربط سبحانه بين الإيمان به وباليوم الآخر ، وبين الإنفاق ، لأنه نفى الإيمان عن البخيل الممسك ، ومعنى هذا ان الإنفاق دليل الإيمان ، والإمساك دليل الكفر ، والوجه في ذلك ان المؤمن المتوكل على الله حقا ينفق ، وهو واثق بالخلف ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية ، كما قال الإمام علي أمير المؤمنين (ع) ، أما ضعيف الإيمان فيستمع الى شيطانه الذي يأمره بالإمساك ، ويوعده الفقر ، ان هو أنفق. ومهما يكن ، فإن المراد بالإيمان هنا ايمان الطاعة والعمل ، لا ايمان العقيدة فقط ، والمراد بالكفر كفر الطاعة والعمل ، لا الجحود ، وانكار الألوهية.
ومن أقوال الإمام علي (ع) في البخيل : «عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ، ويفوته الغنى الذي إياه طلب ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ،