قال : ان هؤلاء اشارة الى جميع الأنبياء السابقين ، وان محمدا يشهد عليهم ، وهم يشهدون على أممهم .. لقد أبعد هذا القائل ، لأن الشهادة انما تجوز وتسمع على من يجوز في حقه الإهمال لواجبه ، وهذا محال في حق الأنبياء ، فالشهادة عليهم كذلك .. وعند تفسير الآية ١٤٣ من سورة البقرة ذكرنا ان محمدا (ص) يشهد على علماء أمته بأنه بلغهم الإسلام وأحكامه ، وعلماء الأمة يشهدون عليها بأنهم قد بلغوها رسالة الإسلام على وجهها.
وقال الشيخ محمد عبده في تفسير هذه الآية ما يتلخص بأن الله سبحانه سيقابل غدا ويقارن بين عقيدة كل أمة وأعمالها وأخلاقها ، وبين عقيدة نبيها ، فان كانت هي هي كانت الأمة من الأمم الناجية ، وإلا فهي من الهالكين ..
وهذا التفسير من وحي ثورة الشيخ على البدع والتقاليد البغيضة .. وهو غير بعيد عن الواقع ، فإن عملية هذه المقارنة إذا لم تقع بالذات في حضرة الخالق جل وعلا فان نتيجتها كائنة لا محالة.
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ). المعنى ان الكفار يتمنون يوم القيامة ، حيث ينكشف لهم الغطاء لو انهم لم يخلقوا ، وانهم كانوا والأرض سواء ، أي ترابا ، كما في الآية ٤٠ من سورة النبأ : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).
(وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً). هذا كلام مستأنف ، ومعناه انهم لا يستطيعون كتمان ذنب من ذنوبهم التي اقترفوها ، وأخفوها عن أعين الناس في الدنيا ، لأن الله سبحانه محيط بهم وبأعمالهم ، ولأن الملائكة وسمعهم وأبصارهم وألسنتهم وجلودهم وأيديهم وأرجلهم ، كل هؤلاء تشهد عليهم بما كانوا يفعلون : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٢٠ فصلت» .. (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٢٥ النور».
اللهم رحمة بمن لا طاقة له بعدلك ، وغوثا لمن لا نجاة له دون عفوك.
وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) وبين قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ