وبإثباتها كقوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً). فكيف للإنكار ، وموضعها الرفع خبرا لمبتدأ محذوف ، تقديره فكيف حال هؤلاء. ومن كل أمة متعلق بمحذوف حال من شهيد. وشهيدا حال من ضمير بك. ولو مصدرية بمعنى ان ، والمصدر المنسبك مفعول يود تسوية الأرض ، ولا يكتمون معطوف على يود. ولفظة الله منصوبة بنزع الخافض ، أي لا يكتمون عن الله حديثا.
المعنى :
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ). بعد أن أمر سبحانه بعبادته ، وبالإحسان للوالدين ، ومن ذكر معهم ، وعقب بذم البخل ، ومن أنفق رياء ، ومن كتم فضل الله ، وتوعد المختالين واخوان الشياطين ، بعد هذا بيّن سبحانه مؤكدا انه لا ينقص أحدا من أجر عمله شيئا ، وان كان كذرة الهباء ، بل يضاعف ثواب المحسنين تفضلا من عنده ، كما قال : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً). ومن لدنه اشارة الى انه تعالى يعطي المحسن في مقابل حسناته ، ثم يزيده علاوة على أجره (أَضْعافاً كَثِيرَةً).
وللفلاسفة أقوال في ان الله : هل يثيب المطيع على سبيل الحتم والاستحقاق ، بحيث لو منعه لكان ظالما له .. تعالى الله .. أو على سبيل التفضل والإحسان؟.
والأقرب في رأينا ان الله سبحانه يثيب على الواجب تفضلا ، لأنه لا أجر ولا شكر على واجب ، أما المستحب فيثبت عليه استحقاقا .. وعلى أية حال ، فإن الأمر سهل ، لأن الثواب حاصل ، ما في ذلك ريب ولا خلاف ، وعليه يكون النزاع في أن سببه التفضل أو الاستحقاق يكون هذا النزاع عقيما ، ما دام السبب خارجا عن المقدور والاستطاعة.
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً). يجمع الله الناس غدا للحساب والعقاب ، وقبل كل شيء يشهد على كل قوم نبيهم بأنه قد بلغهم رسالة ربه ، وعلمهم الحلال والحرام مباشرة ، أو بواسطة أصحابه ، أو التابعين لهم ، أو العلماء والفقهاء ، فالمراد بالشهيد الأول كل نبي سابق على محمد ، وبالشهيد الثاني محمد (ص). وهؤلاء اشارة الى أمة محمد (ص) وأبعد من