(وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ). ولأن هذا القول أعدل وأفضل ، وأقوم وأسلم أعرضوا عنه ، ولم يتفوهوا به. قال الرازي في تفسير هذه الآية : «المعنى انهم لو قالوا بدل قولهم (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) سمعنا وأطعنا ، لأنهم يعلمون بصدقك ، وبدل قولهم (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) واسمع فقط ، وبدل قولهم (راعِنا) انظرنا ، أي تمهل علينا حتى نفهم عنك ، لو قالوا هذا لكان خيرا لهم عند الله وأقوم ، أي أعدل وأصوب».
(وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ). وتمردهم على الحق ، وتعصبهم للباطل ، ولعنة الله هي غضبه وسخطه (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً). لقد دخل الناس في الإسلام أفواجا من جميع الطوائف والأديان على مدى التاريخ إلا اليهود ، فما أسلم منهم إلا قليل كعبد الله بن سلام ، وبعض أصحابه ، بل حاربوا الإسلام والمسلمين ، وما زالوا يكيدون له بكل الوسائل والدسائس ، وهذا من أقوى الأدلة على ان الإسلام حق وصدق .. والغريب ان قادة الإسلام ودعاته لم يستدلوا على عظمته وانسانيته بعداء اليهود الذين قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) عدائهم للإسلام ، ولكل من قال : لا إله إلا الله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ). ظاهر الخطاب يشمل اليهود والنصارى ، لأنهم جميعا من أهل الكتاب .. وقيل : الخطاب مختص باليهود بقرينة السياق. والمراد بما أنزلنا القرآن الكريم ، فانه مصدق للتوراة كما نزلت على موسى (ع) ، وللانجيل كما نزل على عيسى (ع).
لقد دعا النبي (ص) اليهود الى الإسلام باعتباره حقا من عند الله ، وقدم لهم الدلائل والبينات مرات بعد مرات .. ولكن ما لليهود والحق وبراهينه؟ .. انهم لا يدينون إلا بالربح والمال ، ولن يجدوا الربح العاجل في الإسلام ، ولا في التوراة ، وانما يجدونه في الاحتكار والربا ، وفي السلب والنهب ، والغش والخداع ، والدعارة والقمار ، واثارة الفتن والحروب ، وما الى هذه من المفاسد والموبقات : ومن أجل هذا سبقوا في هذا الميدان الأولين والآخرين ، والنبي (ص) يعلم هذا حق العلم ، ولكنه دعاهم لالقاء الحجة فقط : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ـ ١٦ الاسراء».