(وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) ـ وهم الذين يريدون اخضاع العباد والبلاد لسياستهم ـ : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ»). وفي الآية ٧٥ من البقرة : (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). تماما كما فعلوا بقرار الأمم المتحدة بوجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في ٥ حزيران سنة ١٩٦٧ ، وفسروه بوجوب المفاوضة مع العرب (١) وعرقلوا بذلك مهمة (غونار يارينغ) المبعوث الدولي لتنفيذ القرار .. وكل كلام لا يتفق مع مقاصدهم الشريرة يحرفونه عن مواضعه ، حتى ولو عقلوا وعلموا أنه من عند الله ، فلقد حرفوا التوراة من قبل ، ووضعوا مكان آيات العدل والرحمة الأمر بالسلب والنهب ، وقتل النساء والأطفال ، قال في تفسير المنار عند تعرضه لتفسير هذه الآية : «أثبت العلماء تحريف كتب العهد العتيق ، والعهد الجديد بالشواهد الكثيرة ، وفي كتاب اظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي مائة شاهد على التحريف اللفظي والمعنوي فيها». ثم ذكر صاحب تفسير المنار بعض الشواهد لهذا التحريف في الجزء الخامس ص ١٤١ طبعة ١٣٢٨ ه وألف الشيخ جواد البلاغي كتابا قيما جامعا في هذا الموضوع ، أسماه الرحلة المدرسية ، وطبع أكثر من مرة.
لقد دعا النبي (ص) يهود الحجاز مرارا الى اتباع الحق ، وعدم تحريف الكلام ، فكانوا يصرون على العناد : (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ). أي غير مسموع منك ، ولا مجاب لك فيما تدعونا اليه .. وليس هذا بغريب من عناصر الشر ، ومصادر الفساد.
(وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ). قال المفسرون : ان اليهود قالوا للنبي (ص) : راعنا ، وهم لا يريدون المعنى الظاهر من هذه الكلمة ، وهو مراقبتهم والإصغاء اليهم ، وانما أرادوا الرعونة والحمق ، وهذا هو اللي والطعن في الدين. وسبق الكلام عن لفظة راعنا في تفسير الآية ١٠٤ من سورة البقرة ، المجلد الأول ص ١٦٦.
__________________
(١) ألف علماء المسلمين العديد من الكتب في اعجاز القرآن ، وذكروا أنواعا من هذا الاعجاز ، ولكن لم يذكروا منها وصف القرآن لطبيعة اليهود وحقيقتهم ، مع انه لا يقل اعجازا عن غيره.