أيضا كلام خاص ينفي حكم الخاص عن بعض الأفراد التي تناولها العام ، وكان الكلامان من مصدر واحد ، ان كان الأمر كذلك وجب حمل العام على الخاص ، أي استثناء ما دل عليه الخاص مما دل عليه العام ، وللتوضيح نضرب هذا المثال : قال تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما). فقد دلت الآية على ان كل سارق تقطع يده ، حتى أيام المجاعة ، ثم جاء الحديث الشريف يقول : «لا يقطع السارق في عام مسنت» أي مجاعة ، فوجب ، والحال هذه ، أن نقيد آية السرقة العامة بحديث المجاعة ، والحكم بأن كل سارق يقطع الا أيام المجاعة.
وبعد ان تمهد معنا هذا نقارن بين ثلاث آيات ، ومن نتيجة المقارنة يتضح المراد من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ).
جاء في الآية ٥٣ الزمر : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). فلفظ هذه الآية عام ، ومعناها واضح ، وهو ان الله يغفر كل ذنب ، حتى الشرك ، ولكن آية (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) لفظها خاص ، ومعناها واضح أيضا ، وهو ان الله لا يغفر الشرك ، فوجب استثناء المشرك من آية الزمر جمعا بين الآيتين ، ثم جاءت آية ثالثة تقول : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ـ ٨٢ طه» ، فهذه الآية أخرجت التائب من آية (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ) تماما كما أخرجت هي المشرك من آية الزمر.
فتحصل معنا من مقارنة الآيات الثلاث ، وعطف بعضها على بعض ان من تاب من الشرك غفر الله له ، لأنه كفّر عن ذنبه ، وان من مات على الشرك فلا نجاة له ، لأنه فوّت الفرصة على نفسه ، ولأن الصفح عنه إغراء بالشرك والخضوع لغير الحق والعدل .. هذا ، الى ان العفو عن المشرك ، معناه ان الله يقول لمن أساء : أحسنت .. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وتسأل : ان قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) يشعر بأن أي ذنب ـ غير الشرك ـ يرتكبه الإنسان يجوز أن يغفره الله قبل التوبة ، لأن غفران الذنب مع التوبة ثابت بنص الكتاب والسنة ، فيختص قوله : (يَغْفِرُ) بالمؤمن المذنب غير التائب .. وبكلمة ان الآية تدل على ان الصفح عن ذنب المؤمن لا