تكون نفسك بالذات صاحبة الأمانة ، وأمانة الدين والعلم ما تعلمه من حلال الله وحرامه ، ومن الخير والشر ، وتتحقق التأدية لهذه الأمانة بأن تعمل بما تعلم ، أما أمانة نفسك عندك فأن تختار ما هو الأصلح لها في دنياها وآخرتها.
وبكلمة ان الأمين هو الذي يؤدي ما عليه كاملا غير منقوص ، سواء أكان الذي فرض هذا الواجب هو الدين ، أو العلم ، أو الوطن ، أو المجتمع ، أو أي شيء آخر .. فليست الأمانة ـ على هذا ـ ذوقا وسليقة يعجبها من الطعام أو الشراب هذا ، لا ذاك ، ومن النساء هذه ، لا تلك ، ولا وصفا يحبب الناس بصاحبه ، كاللطف وخفة الروح ، بل الأمانة عصب الحياة وقوامها الذي لا يستقيم شيء بدونه ، والى هذا المعنى أشار الإمام علي (ع) بقوله : «الأمانات نظام الأمة» أي ان الأمة لا تنتظم شئونها الا إذا أدى كل انسان ما يطلب منه .. وقال :
«من لم يختلف سره وعلانيته ، وفعله ومقالته فقد أدى الأمانة ، وأخلص العبادة .. ومن استهان بالأمانة ، ورتع في الخيانة ، ولم ينزه نفسه ودينه عنها فقد أحل بنفسه في الدنيا الخزي ، وهو في الآخرة أذل وأخزى ، وان أعظم الخيانة خيانة الأمة ، وأفظع الغش غش الأمة». يشير الى القادة اللصوص ، وسوء أثرهم ، وفظاعة خطرهم.
ومن الدلائل على قداسة الأمانة وعظمتها قول الفقهاء : من أعلن الحرب على الإسلام والمسلمين ، وأباح دماءهم وأموالهم ، لا لشيء الا بغضا بكلمة التوحيد حل ماله ودمه ، ولا تحل أمانته ، قال الإمام زين العابدين (ع) : لو ائتمني قاتل أبي على السيف الذي ذبحه به لما خنته .. وقال رجل للإمام الرضا (ع) : ان يهوديا خانني في ألف درهم ، وحلف ، ثم وقعت له عندي أرباح ، فهل اقتص منه؟. قال الإمام : ان كان ظلمك فلا تظلمه .. وفي رواية ثانية : «ان خانك فلا تخنه ، ولا تدخل فيما عبته عليه» ، والسر في ذلك ان الأمانة حق لصاحبها بوصفه إنسانا ، لا بوصفه مسلما ، لا مشركا ، أو طيبا ، لا خبيثا. وسنعود الى الحديث عن الأمانة عند تفسير الآية ٧٢ من سورة الأحزاب : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).