الأول أن لا يتعمد الكذب ، ولكن يجوز عليه الخطأ والاشتباه ، كمن يخبر بشيء ، وهو يؤمن بصدق ما اخبر ، ثم يتبين ان خبره غير مطابق للواقع ، فيكون هو صادقا في قصده ، وخبره كاذبا .. وهذا كثيرا ما يحدث.
النوع الثاني : ان لا يتعمد الكذب ، ولا يجوز عليه الخطأ ، بحيث لا يخالف قوله الواقع بحال ، وهذا هو المراد بالصديقين ، وبأولي الأمر في الآية ٥٩ من هذه السورة ، وعند تفسير هذه الآية ، فقرة «من هم أولو الأمر» ذكرنا الدليل من الكتاب والسنة على ان أهل البيت (ع) معصومون لا يجوز عليهم الخطأ والاشتباه. وعلى هذا يكون المراد بالصديقين في الآية ٦٩ ، وأولي الأمر في الآية ٥٩ هم أهل البيت.
وأيضا قال الشيخ محمد عبده : «ان المراد بالشهداء هنا أهل العدل والانصاف الذين يؤيدون الحق بالشهادة لأهله بأنهم محقون ، ويشهدون على أهل الباطل بأنهم مبطلون».
وهذا تأويل لظاهر اللفظ من غير دليل. فان المفهوم من الشهداء انهم الذين قتلوا في سبيل الله والحق .. أجل ، جاء في الحديث ان مداد العلماء كدماء الشهداء ، وان من مات دون ماله ، أو تمنى الاستشهاد في سبيل الحق مات شهيدا ، أي له ثواب الشهيد. وبديهة ان الشهيد شيء ، ومن له منزلته شيء آخر.
أما الصالحون فهم الذين صلحت عقائدهم وأعمالهم ، قال الامام علي (ع) : بالايمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الايمان». وليس من شك ان المعرفة بحلال الله وحرامه اجتهادا أو تقليدا شرط أساسي في الصلاح ، لأن الجهل يفسد الاعتقاد والعمل.
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ). أجل ، ان مرضاة الله ، ورفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين هي السعادة الحقة ، والفضل الدائم ، لا هذا المتاع الزائل.