هاجر النبي (ص) من مكة الى المدينة ، وهاجر معه من استطاع من المسلمين ، وبقي فيها من عجز عن الهجرة ، وفيهم رجال ونساء وأطفال ، وكانوا يلقون من المشركين أذى شديدا من أجل دينهم ، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ، ولا يجدون معينا ، ومن أجل هذا وصفهم سبحانه بالمستضعفين ، ولما تقطعت بهم الأسباب لجأوا الى الله ، وهم يقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ) ـ أي مكة ـ : (الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً).
وقد جعل الله من محنة المستضعفين سبيلا لحث المسلمين على الجهاد لخلاص إخوانهم في الدين.
وبقي جماعة من المستضعفين بمكة الى عام الفتح ، حيث دخل الرسول المسجد الحرام منتصرا ، واستسلم صناديد الشرك ، وتحطمت الأصنام ، وعلت كلمة الإسلام ، ومنّ الله على الذين استضعفوا في مكة ، وصاروا أعز أهلها.
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ). أمر سبحانه المؤمنين في الآية ٧١ أن ينفروا ويخرجوا للحرب سرايا أو كافة ، وفي الآية ٧٤ أمرهم بالقتال في سبيل الله ، وفي الآية ٧٥ بالحث على خلاص المستضعفين .. وقسم في هذه الآية المقاتلين الى مؤمنين يقاتلون من أجل الحق والعدل ، والى كافرين يقاتلون من أجل السيطرة والسلب والنهب ، وهؤلاء هم أولياء الشيطان .. وقد أمر الله المؤمنين بجهادهم ، وإعلان الحرب عليهم ، وعدم مهادنتهم بحال ، لأن قتالهم خير وصلاح للانسانية ، ومهادنتهم شر وفساد.
والخلاصة ان الآيات التي أشرنا اليها وغيرها الواردة في القتال كلها تهدف الى شيء واحد ، الى الصلابة والثبات في جهاد المبطلين والمستغلين ، ولا تختلف آيات الجهاد إلا بالاسلوب والتعبير .. «عباراتنا شتى وحسنك واحد».
(فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً). وتسأل : ان المعنى الظاهر من هذه الآية ان المحقين ينتصرون دائما على أهل الباطل .. والعكس هو الواقع في أغلب الأحيان ، فما هو السر؟.
وسبق نظير هذا السؤال مع جوابه مفصلا عند تفسير الآية ١٣٧ من سورة