من نسب الحسنة الى الله ، والسيئة الى رسول الله ، لأنهما معا من الله ، ذلك ان القحط والأمطار ، والزلازل والمعادن ، كل هذه وما اليها من لوازم الطبيعة وآثارها ، والله سبحانه هو الذي خلق الطبيعة وأوجدها ، اذن ، ينسب خير الطبيعة وشرها اليها مباشرة ، والى الله سبحانه بواسطة إيجاده للطبيعة .. فهو جلت عظمته سبب الأسباب.
وتسأل : لما ذا لم يخلق الله الطبيعة من غير شر ، بحيث تكون خيرا خالصا من كل شائبة ، ويريح بهذا عباده من الويلات والمتاعب؟.
وقد طرح هذا السؤال أو الإشكال منذ آلاف السنين ، وحلّه «زرادشت» بوجود إلهين : إله للخير ، وهو «موزد» وإله للشر ، وهو «اهريمن». وقال آخرون : ان الله خلق هذه الطبيعة بما فيها ولها من خير وشر ، ولكنه في الوقت نفسه خلق عقولا تكيّف هذه الطبيعة الى خير الإنسان وصالحه ، ومنها هذه المخترعات التي قربت البعيد ، وسهلت العسير ، وأنشأت السدود لصد الفيضان ، وتنبأت بالعواصف قبل وقوعها. الى ما لا يحصى كثرة. وقال عابد زاهد : ان الشر لا بد منه لعقوبة العصاة والمذنبين .. وهذا الجواب يكذبه العيان والقرآن ، فان الطبيعة لا ترحم مؤمنا ولا ضعيفا ، والزلازل لا تميز بين الطيب والخبيث ، قال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ـ ٢٥ الأنفال». ومنهم من قال : الله يعلم ، ونحن لا نعلم شيئا. وقال الأشاعرة ، هذا السؤال مردود شكلا وأساسا ، لأن أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض والغايات : «لا يسأل عما يفعل».
وجاء في كتاب الأسفار للعظيم الشهير بالملا صدرا ما يتلخص بأنه من المحال ذاتا إيجاد كون لا شر فيه ، فان الكون الطبيعي من حيث هو ، وبموجب وضعه وتكوينه يلزمه حتما ان يكون فيه خير وشر ، وقوة وضعف ، وحنان وعنف ، وإلا استحال وجوده من الأساس ، كما يستحيل على أمهر المتخصصين في فن البناء ان يبني من حبة الرمل حصنا منيعا (١). ذلك ان الطبيعة يستحيل أن توجد وتتكون إلا من عناصر متضادة متباينة ، وهذه العناصر في حركة دائمة بين جذب
__________________
(١) والفلاسفة يعبرون عن هذا وأمثاله بالعجز في المقدور ، لا في القادر.