ودفع ، وتفاعل مستمر ، ومن هذا التفاعل تتولد الظواهر الطبيعية ، كالزوابع والعواصف ، والحر والبرد ، والمطر والصحو ، وما إلى ذلك من آثار الطبيعة خيرها وشرها ، وعلى هذا يدور الأمر بين اثنين لا ثالث لهما : أما ان لا يوجد الكون من رأس ، واما أن يوجد بخيره وشره ، وهذا هو معنى القول المشهور : «ليس بالإمكان أبدع مما كان». كما انه يتفق تماما مع قول علماء الطبيعة : ان في كل جزء من أجزائها قوة موجبة ، وأخرى سالبة.
وبهذا يتبين معنا ان قول القائل : لما ذا لم يخلق الله الطبيعة من غير شر ، ان هذا أشبه بقول من قال : لما ذا لم يخلق الله نارا ، لا حرارة فيها ، وثلجا ، لا برودة فيه ، وعقلا لا ادراك له ، وحياة لا حراك فيها ، وموتا ، لا جمود فيه .. ان هذا السؤال تعبير ثان عن هذيان المحموم ، وقوله : لما ذا لا يكون الشيء غير نفسه .. وبهذا ندرك السر البليغ العميق في قوله تعالى : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً).
والخلاصة انه لا تأثير لمحمد (ص) ، ولا لغيره في شيء من خير الطبيعة وشرها. وقد اشتهر عن الرسول الأعظم انه قال حينما انكسفت الشمس عند موت ولده ابراهيم : الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعين له ، لا ينكسفان لموت أحد ، ولا لحياته.
(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ). وتسأل : ان الله سبحانه أصاف في الآية الأولى كلا من الحسنة والسيئة الى نفسه ، حيث قال : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وفي الآية الثانية أضاف الحسنة اليه ، والسيئة الى العبد ، فما هو وجه الجمع؟
الجواب : قدمنا ان المراد بالحسنة في الآية الأولى خير الطبيعة ، وبالسيئة شرها ، وانهما من ظواهر الطبيعة ، وهي من صنع الله ، فصحت نسبتهما اليه تعالى بهذا الاعتبار. أما المراد بالحسنة في الآية الثانية فهو نجاح المرء في هذه الحياة دينا ودنيا ، والمراد بالسيئة فشله وخذلانه فيهما ، وقد نسب الله سبحانه هذا النجاح المعبر عنه بالحسنة ، نسبه الى نفسه بالنظر الى انه تعالى قد زوّد الإنسان بالصحة والإدراك ، وأمره بالعمل من أجل سعادته في الدارين ، فإن امتثل وعمل وبلغ