المعنى :
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ). كان في صحابة الرسول (ص) ـ كما يكون في أي حزب ومعسكر ـ المخلص والمنافق ، والشجاع والجبان ، والقوي والضعيف في إيمانه ، والعاقل المجرب الذي يرتفع الى مستوى الأحداث ، والجاهل الذي لا يتدبر الأمور ولا يقدر العواقب ، وقد تحدث القرآن عن كل هؤلاء تصريحا تارة ، وتلويحا أخرى.
واتفق المفسرون على ان هذه الآية نزلت فيمن كانوا يسمعون أخبار الأمن والخوف التي كانت تتعلق بقوة المسلمين العسكرية ، فيذيعونها بين الناس ، ثم اختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المذيعين : هل هم المنافقون ، أو البسطاء السذج من ضعفاء المؤمنين؟ فقال كل فريق بما ترجّح عنده .. أما نحن فلم يترجح لدينا ارادة المنافقين ، دون الضعفاء ، ولا الضعفاء ، دون المنافقين ، لأن كل ما أفاده ظاهر الآية ان جماعة من الذين كانوا حول النبي (ص) إذا وصل اليهم خبر من أخبار السلام والأمان ، أو الحرب والعدوان تكلموا به ، وأفشوه بين الناس .. ولا شيء أضر على الأمن الداخلي والخارجي من افشاء الأسرار العسكرية ، بخاصة مع عدم تثبت المذيعين من صدق الخبر ، فإن الكثير من أنباء الحرب يختلقها ويروجها العدو بقصد الاستفادة منها ، واشاعة الفتن والقلاقل في صفوف المسلمين.
(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ). ضمير أولي الأمر منهم يعود على المسلمين ، ومن للتبعيض ، أي ان أولي الأمر هم بعض المسلمين ، أما ضمير منهم في يستنبطونه منهم فقد اختلف فيه المفسرون ، فمن قائل : انه يعود على الذين أذاعوا خبر الأمن أو الخوف. وقائل : انه يعود على أولي الأمر ، وهو الأظهر ، ومن للبيان ، لا للتبعيض. والمراد بأولي الأمر من يثق الرسول (ص) بكفاءتهم الدينية والعلمية ، والذين عناهم الله بقوله : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ـ ٦٣ الأنفال».
والمعنى كان الأولى بالذين أذاعوا ما سمعوه من أخبار الحرب ان يمسكوا عن