لَهُ كِفْلٌ مِنْها). يدل سياق الكلام على ان المراد بالشفاعة الحسنة التحريض على القتال ، وبالشفاعة السيئة تثبيط العزائم عنه .. ولكل من المشجع والمثبط جزاء دعوته وآثارها ، فلمن يدعو الى الجهاد نصيب من أجره ، ولمن يدعو الى التخاذل نصيب من وزره .. والمبدأ عام في كل شفاعة خير ، وكل شفاعة سوء ، وفي الحديث : «من سنّ سنة حسنة كان له مثل أجر من عمل بها ، ومن سن سنة سيئة كان له مثل وزر من عمل بها». فالإسلام يبارك كل خير ، سواء أكان سنة يقتدي بها الغير ، أو عملا صدر من ملحد ، أو نية مجردة عن العمل ، فالمهم أن يصدق عليه اسم خير أو فضيلة أو حسن أو طيب أو ما اليه. وتعرضنا لذلك عند تفسير الآية ١٤٤ من سورة آل عمران ، فقرة «لكل امرئ ما نوى» ، وعند تفسير الآية ١٧٨ من السورة نفسها ، فقرة «الكافر وعمل الخير».
(وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً). أي قادرا على أن يجازي كلا بما يستحق ، فيثيب صاحب الشفاعة الحسنة ، ويعاقب صاحب الشفاعة السيئة ـ أنظر معنى مقيت في فقرة اللغة ـ.
(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها). اتخذ الإسلام كلمة التوحيد شعارا لعقيدته ، وجعل السلام تحيته المختصة به للاشارة الى ان منهاجه في الحياة هو نشر السلام ، ومقاومة العدوان .. بالاضافة الى ان معنى الإسلام التسليم للعدل والإحسان ، والخير والأمان ، وفوق ذلك كله فإن السلام من أسماء الله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ـ ٢٣ الحشر».
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً). يحاسب على عدم رد التحية ، وغيره من ترك المحرمات ، وفعل الواجبات.
واستدل الفقهاء بهذه الآية على وجوب رد السلام ، اما بالمثل ، أي أن تعيد تحية من حياك بالحرف دون زيادة أو نقصان ، واما ان تزيد عليها : ورحمة الله ، وأمثالها. والرد فرض على سبيل العين إذا وجهت التحية الى شخص معين ، وكفاية إذا وجهت الى جماعة ، ان قام به البعض سقط عن الباقين ، والا فالكل ملومون ومؤاخذون .. وفي الحديث : التحية تطوع ، والرد فرض.