الله أمر نبيه بتجاهلهم والاغضاء عنهم ، كما سبق في الآية ٦٣ من هذه السورة : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)؟.
الجواب : ان هذه الآية أي ٦٣ نزلت في المنافقين الذين كانوا مع النبي (ص) بالمدينة ، ولم يكن في وسع هؤلاء أن يتعاونوا مع المشركين لبعدهم عنهم وقربهم من الرسول وقوة المسلمين ، والآية التي نحن بصددها ، أي ٨٩ نزلت في المنافقين الذين أصروا على البقاء في دار الشرك للكيد والغدر بالمسلمين .. هذا ، الى أن الله أمر نبيه بالإغضاء عن المنافقين حين كان الإسلام ضعيفا قليل الأنصار ، ثم أمره بقتلهم بعد أن أصبح قويا كثير الأنصار ، تماما كما أمره بالصبر في مكة ، والجهاد في المدينة.
وبعد ان أمر الله بالتنكيل بأولئك المنافقين الأعداء الألداء استثنى منهم صنفين : وأشار الى الصنف الأول بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ). يريد بهذا جل وعلا ان من يلتجئ من أولئك المنافقين الى قوم بينهم وبين المسلمين عهد في المهادنة وترك القتال ، ان هذا اللاجئ يترك لا يؤسر ولا يقتل ، لأنه ـ والحال هذه ـ يكون مسالما للمسلمين ، تماما كالذين التجأ اليهم ، فيعامل معاملتهم في عدم التعرض له .. ومن المفيد أن ننقل ما قاله الرازي ـ هنا ـ :
«اعلم ان هذا يتضمن بشارة عظيمة لأهل الايمان ، لأنه تعالى لما رفع السيف عمن التجأ الى من التجأ الى المسلمين فبالأولى أن يرفع العذاب في الآخرة عمن التجأ الى محبة الله ومحبة رسوله».
وليس من شك ان محبة أهل بيت الرسول (ص) هي محبة لله وللرسول ، لقوله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ـ ٢٣ الشورى».
وأشار الى الصنف الثاني بقوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ). أي ان الذين يتحرجون أن يحاربوا المسلمين مع قومهم المشركين ، أو يحاربوا قومهم مع المسلمين ، وجاءوا الى النبي (ص) يطلبون منه الرضا بالوقوف على الحياد ، لا معه ولا عليه ، ان هؤلاء يتركون أيضا ، لا يقتل ولا يؤسر أحد منهم ، لأنهم غير محاربين. وخير مثال يفسر هذه