من المكر والخبث والتمرد على الله ورسوله .. وهذه الآية تعرض صورة أخرى لفريق هم أكثر الناس عددا في كل زمان ومكان ، أعني المتميعين المذبذبين الذين لا واقع لهم الا التقلب والتردد ، يؤمنون بالقيم حينا ، وحينا بها يكفرون .. ونحن لا ننكر ان الإنسان يتأثر بظروفه ، وانه كثيرا ما يتغير بحسبها ، بل أثبتنا ذلك عند تفسير الآية ١٤٣ من سورة البقرة ، فقرة «تغير الأخلاق والأفكار» ، ومع هذا فانّا نعتقد ـ استنادا الى العيان ـ ان لبعض الأشخاص ذاتا تتذبذب بطبيعتها ، وتنتقل من حال الى حال ، حتى ولو اتحدت ظروفها.
(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ). المراد بالرد الدعوة ، وبالفتنة الكفر ، وبالارتكاس الرجوع والتحول. والمعنى ان هذا الفريق كلما دعوا الى الكفر والارتداد رجعوا اليه ، وكانوا أقبح من كل كافر ثبت على كفره ، وخير ما قيل في تصويرهم ما حكاه بعض المفسرين : انهم كانوا إذا رجعوا الى قومهم يقال لأحدهم : قل : الخنفساء ربي. والقرد ربي. فيقولها. ويقال لأمثال. هؤلاء : إمعون جمع إمع ، أي اني معك من باب النحت.
ومهما بلغت الحال بهؤلاء من الانحطاط وانعدام الشخصية والذبذبة بين الكفر والإيمان فإن الإسلام يدعهم وشأنهم ما لم يعتدوا ويقاتلوا .. فإن اعتدوا وقاتلوا فالإسلام يأمر بردعهم وقتلهم أينما وجدوا إذا أصروا على الحرب والقتال .. وهذا ما أراده الله بقوله : (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ).
وهذا دليل من عشرات الأدلة التي يقدمها القرآن الكريم ، والسنة النبوية على ان الخط الأساسي لدين الإسلام ان لا قتل ولا قتال إلا لردع من قاتل وسعى فسادا في الأرض : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ـ ١٩٠ البقرة» .. (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ـ ١٩٣ البقرة» .. اذن ، الإسلام سوّغ القتال، حيث سوغته جميع الشرائع قديما وحديثا ، وأوجبته جميع العقول .. ورغم هذه الأدلة وغيرها فان أعداء الإسلام أبوا إلا أن يقولوا : انه دين السيف والقتال ، تماما كالذي قال : عنزة وان طارت.