المعنى :
اتفق المفسرون والمحدثون على ان السبب الموجب لنزول هذه الآية ان النبي (ص) أرسل سرية من أصحابه ، فالتقت برجل معه مال ، كغنم وما اليه ، فحسبوه كافرا ، فتلفظ بما يدل على إسلامه من تحية الإسلام ، أو كلمة الشهادة ونحوها ، فاعتبرها بعضهم انها كلمة يقولها لينجو بها من القتل ، فقتله.
ولما علم النبي (ص) شق ذلك عليه ، وأنّب القاتل. فقال : انما تعوذ بها من القتل. فقال له ـ كما في بعض الروايات ـ هلا شققت عن قلبه.
وألفاظ الآية لا تأبى هذا المعنى ، بل هي صريحة فيه ، فان قوله تعالى : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) معناه إذا ذهبتم الى الجهاد فتأنوا ، ولا تقدموا على قتل من تشتبهون في دينه وعداوته (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) لأن كل من أظهر الإسلام كان له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، بخاصة فيما يعود الى حقن الدماء ، وحفظ الأموال ، أما باطنه فموكول الى الله وحده.
(تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ). ويشعر هذا بأن الذي دفع بهم الى قتل الرجل انما هو الطمع بما لديه من أموال ، وهو الذي جعلهم يتخيلون ان إظهاره لكلمة الإسلام كان بقصد الخلاص والنجاة .. فكثيرا ما يتصور الإنسان نفسه على غير حقيقتها ، فيكون واقعها شيئا ، وانطباعه عنها شيئا آخر ، مع العلم بأنه هو هي ، وهي هو .. وهذا من خصائص الإنسان وعجائبه .. وعلى أية حال ، فان الله قد نبّههم الى خطئهم هذا ، وانهم قد استعجلوا الغنيمة ، مع ان مغانم الله ونعمه لا تعد ولا تحصى ، فيعوضهم منها عن مال المقتول أضعافا مضاعفة.
(كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ). هذا رد عليهم ، ونقض لفعلهم بمنطق العقل والوجدان ، وتقريره انكم كنتم مشركين من قبل ، ثم دخلتم في الإسلام بنفس الكلمة التي نطق بها القتيل ، وقبلها النبي (ص) منكم ، وبها حقنت دماؤكم وأموالكم ، فكان عليكم ان تقبلوا من القتيل ما قبله النبي منكم .. وهكذا أكثر