تذروه الرياح ، ومن هنا كانت الهجرة حينذاك هي الفضيلة العظمى ، والمنقبة الأولى التي لا يدانيها شيء.
هاجر النبي (ص) من مكة الى المدينة ، وأمر المسلمين بالهجرة اليها. فاستجاب له كثيرون ، وتخلف آخرون تمسكا بأموالهم ومصالحهم ، لأن المشركين كانوا لا يدعون مهاجرا يحمل معه شيئا من ماله ، ويشددون عليه بالأذى ، ويمنعونه من اقامة دينه ، وهو عاجز عن الدفاع والمقاومة ، ولكنه كان قادرا على الخلاص والتحرر من الاضطهاد ، واقامة الدين على أكمل الوجوه بالهجرة من دار الحرب على المسلمين الى دار الإسلام والأمان ، الى المدينة ، حيث النبي والصحابة .. لذلك وبخ الله سبحانه الذين آثروا البقاء في دار الكفر والحرب على الدين وأهله ، وبخهم وأنبهم بلسان ملائكة الموت قائلا :
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بترك الجهاد والهجرة الى دار الإسلام ، والرضا بالبقاء في دار الكفر والاذلال والإخلال بواجبات الدين ، وتكثير الكافرين وتقليل المؤمنين (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) أي قال ملائكة الموت للذين تركوا الهجرة : في أي شيء كنتم؟ .. وليس هذا سؤالا في واقعه ، وانما هو تأنيب وتبكيت ، وبديهة ان التأنيب يكون على شيء واقع ومعلوم ، وهو هنا تخلفهم عن إخوانهم المهاجرين الذين أطاعوا الرسول في تنفيذ خطته لتحطيم الشرك وإعلاء كلمة الله.
وان سأل سائل : هل كان هذا التوبيخ من ملائكة الموت للمتخلفين حين الاحتضار وقبل الموت ، أم بعده؟.
أجبناه : ان علم هذا عند ربي ، وقد سكت عنه ، فنسكت نحن أيضا عما سكت الله عنه ، قال رسول الله (ص) : «ان الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها».
(قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ). هذا اعتذار واعتلال من المتخلفين ، ومعناه ان المتخلفين أجابوا الملائكة الذين أنبوهم على التقصير في أمر الدين ، أجابوهم : كنا عاجزين في دار الشرك عن القيام بواجبات الدين ، لأن المشركين اضطهدونا ، ومنعونا من ممارسة ما نعتقد ، فرد الملائكة هذا الاعتذار و (قالُوا