الجواب : إذا علم علما يقينيا ان الذهاب الى أي مكان كان بلدا أو مجلسا أو سوقا يوقعه حتما في ترك الواجب ، أو فعل الحرام وجب عليه الاحجام عنه ، وإذا كان مقيما فيه وجب عليه الرحيل عنه ، لأن السبب التام الذي يستلزم حتما الحرام فهو حرام .. قال تعالى: (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٦٨ الانعام». وقال الإمام أمير المؤمنين (ع) : «والهجرة قائمة على حدها الأول» أي لم يزل حكمها الوجوب على من يتعذر عليه القيام بأحكام دينه إلا في بلد مسلم. أما قول النبي (ص) : «لا هجرة بعد الفتح» فان المراد به الهجرة من مكة ، وتدل عليه لفظة الفتح.
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً). ان الأرزاق لا تنحصر بالأوطان ، والهجرة لا تستوجب الحرمان ، فبلاد الله واسعة ، ورزقه أوسع ، ونعمه في كل بلد لا تعد ولا تحصى .. وان كثيرا من الفقراء قد جمعوا من مهاجرهم أموالا لم يحلموا بجزء منها ، وهم في أوطانهم .. ولو ان المتخلفين هاجروا لوجدوا من الرزق والعزة ما يرغمون به أنوف المشركين الذين أذاقوهم ألوانا من الذل والاضطهاد .. ولكن المتخلفين رفضوا الهجرة ، وتحملوا الهوان والاذلال من أعداء دينهم ، لا لشيء الا لأن الشيطان وعدهم الفقر ، ان هاجروا ، فركنوا الى وعده ، وآثروه على مغفرة الله وفضله : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ـ ٢٦٨ البقرة».
(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ). كل من قصد بجد واخلاص عملا من أعمال الطاعة ، ثم عجز عنه فان الله سبحانه يكتب له ثوابه تاما كاملا تفضلا منه وكرما. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ١٤٤ من سورة آل عمران ، فقرة لكل امرئ ما نوى .. وروي ان جندب بن ضمرة لما سمع آية الهجرة قال لبنيه : والله لا أبيت في مكة ، حتى أخرج منها ، فاني أخاف أن أموت فيها ، وكان مريضا شديد المرض ، فخرجوا يحملونه على سرير ، حتى إذا بلغ مكانا في الطريق يقال له التنعيم مات ، فنزل قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) الخ ..