أهل الكتاب والمنافقين والقتال ، ثم عاد الى المرأة واليتيم ، وذكر بعض أحكامها كتكملة لما افتتح به السورة من أحكام الأسرة .. وهذه هي طريقة القرآن ينتقل من شأن الى شأن ، ثم يعود الى الأول بقصد التأثير في القلوب ، وغيره مما تستدعيه الحكمة والرفق بالعباد.
(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ). أي يطلبون منك يا رسول الله ان تبين لهم أحكام النساء في الإرث والزواج ونحوه. (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) ويدل هذا على ان تشريع الأحكام لله وحده ، وليس للنبي منها الا التبليغ ، وثبت انه كان يسأل عما لم ينزل به وحي فلا يجيب ، حتى ينزل عليه. (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ). أي ان الله يفتيكم في أمر النساء ، وأيضا القرآن يفتيكم في أمرهن.
وتسأل : ان إفتاء القرآن هو إفتاء الله بالذات ، فعطف أحدهما على الآخر عطف للشيء على نفسه؟.
الجواب : المراد بافتاء القرآن هنا ما تقدم بيانه بأول السورة ، وهو قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ). وقوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ) الخ. والمراد بافتاء الله سبحانه ما بيّنه هنا مكملا لما سبق ، وبديهة ان العطف يصح مع وجود الفارق بجهة من الجهات ، كاختلاف زمان الشيء الواحد أو مكانه.
(اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ). أي ان الله والقرآن يبينان لكم حكم النساء اللاتي منعتموهن مما فرض لهن من الإرث والصداق .. فلقد كان عرب الجاهلية يظلمون المرأة ، ويعاملونها معاملة السلع والحيوانات. (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ). كان الرجل منهم يضماليتيمة الى نفسه ، فان كانت جميلة نكحها وأكل مالها ، وان كانت دميمة منعها عن الزواج ، حتى تموت وأخذ مالها .. وربما سبّب لها الموت لهذه الغاية. (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ). أي ويفتيكم أيضا في شأن الصبيان الصغار الذين لا تعطونهم نصيبهم من الميراث ، وكانوا لا يورثون الا من يحمل السلاح ، فنهى سبحانه عن ذلك ، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وهذا تأكيد لما سبق بيانه في أول السورة. (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ).