الدين كما حدده الله في كتابه ، والدين كما نمارسه في سلوكنا .. نحن نتحدث عن الدين ، وندعو اليه على انه من الله ، وانه ليس لنا من أمره شيء ، واننا عبيد له ، تماما كما نحن عبيد لله .. هذا ما أعلمناه وجهرنا به .. ولكن بين الدين كما أعلمناه ودعونا اليه ، وبين سلوكنا الذي وصفناه بالدين ـ بون شاسع ، وتضاد واضح .. وان دل هذا على شيء فإنما يدل على انّا في حقيقة الأمر والواقع منافقون ، سواء أشعرنا بذلك ، أم لم نشعر.
ولو فسرنا الدين بأن الله فوّض تشريع الحلال والحرام الى الهيئة الدينية ، كما يزعم بعض أهل الأديان ، لكان بينه وبين سلوكنا شيء من الانسجام ، اما ان نقول : ان الدين لله ، ومن الله ، ثم لا ننسجم معه في سلوكنا فهو النفاق بعينه.
قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ). وفي الآية ١٥٢ من سورة الانعام : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) ومعناه ان الدين حاكم علينا وعلى آبائنا وأبنائنا ، وانه إذا تصادمت المصلحة الشخصية مع الدين فعلينا ان نؤثر الدين ، ولو أدى ذلك الى ذهاب النفس والنفيس ، تماما كما فعل سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) .. ولو قارن واحد من الناس هذه الحقيقة القرآنية مع سلوكنا لأنتهي الى اننا نؤثر مصالحنا ومصالح ذوينا على الدين ، وإذا حقق ودقق في البحث آمن بأن المصدر الأول والأخير للدين عندنا هو المصلحة والمنفعة ، لا كتاب الله ، ولا سنة رسول الله.
هذا هو واقعنا ، أو واقع أكثرنا ، أو واقع الكثير منا .. ولكن لا نشعر بهذا الواقع ، ولا ننتبه اليه ، لأن الأنانية قد طغت على عقولنا ، وفصلتنا عن واقعنا وعن أنفسنا ، وأعمتنا عن الحق ، وأوهمتنا ان دين الله هو مصلحتنا بالذات ، وما عداها فليس بشيء.
أقول هذا ، لا حقدا على أحد ، ولا بدافع الحاجة والحرمان .. فاني بفضل الله في غنى عن خلقه .. ولكن هذا ما أحسه في أعماقي ، ويحس به كثيرون غيري من العارفين المنصفين ، ولا بد لهذا الاحساس من واقع يعكسه ـ فيما