المعنى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) قد يؤمن الإنسان بدين من الأديان ، أو بمبدإ من المبادئ ، ويتعصب له ، ويناضل من أجله أهل الأديان والمبادئ الأخرى ، ثم يدرس ويبحث ، فيتبين له مواقع الخطأ فيه ، فينفصل عنه ، وينضم الى صفوف الصالحين الذين كانوا بالأمس من ألد أعدائه .. وعلى هؤلاء أن يقبلوه ويرحبوا به ، وليس من حق أي انسان أن يعيب وينكر عليه هذا العدول بعد ان سلك الطريق الصحيح الذي ظهر له ، بل يجب أن يمدح ويكرم ، لأن الرجوع عن الخطأ فضيلة ، والإصرار عليه رذيلة.
هذا إذا ثبت ودام على إيمانه الجديد ، أما إذا عدل ، وأعاد سيرته الأولى ، ثم عدل ، وأعاد .. وهكذا يفعل مرات وكرات ، أما هذا فيجب نبذه وطرده ، بل يجب أن يعاقب بأقسى العقوبات وأشدها .. وهذا ما التزمت به أهل الأديان ، وأرباب المذاهب السياسية قديما وحديثا ، لأن تقلبه هذا ان دل على شيء فإنما يدل على انه ساخر ماكر ، ومفتر كذاب ، يلج في الفساد والغواية ، ويزداد من الإثم والضلالة كلما دخل وخرج .. وهذا وأمثاله هم المعنيون بقوله تعالى : (آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بهذا التقلب والتلاعب (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ما داموا متزلزلين يتقلبون بين الكفر والايمان (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) لأنهم أضاعوا السبيل بسوء اختيارهم بعد ان عرفوه وسلكوه.
والخلاصة ان المؤمن هو الذي يثبت على إيمانه مهما تقلبت الظروف ، واختلفت الأحوال ، أما الذي يرتد مرة ومرة فهو أسوأ حالا ممن ثبت على الكفر والإلحاد.
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً). قال الرازي : استعمل سبحانه البشارة بالعذاب للتهكم ، تماما كما تقول العرب : تحيتك الضرب ، وعتابك السيف.
ويلاحظ بأن أسلوب القرآن أبعد ما يكون عن التهكم .. والأقرب ان المراد بالبشارة مجرد الاخبار ، وجاز استعمالها في المكروه لوجود القرينة ، كما أسلفنا