حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٦٨ الانعام». أما سبب هذا التذكير فهو ان بعض المسلمين ـ كما جاء في التفاسير ـ كانوا يجلسون في مجالس المشركين بمكة ، وهم يخوضون في ذم محمد (ص) ، ويستهزئون بالقرآن ، والمسلمون ضعاف ، لا يستطيعون الإنكار عليهم .. فنزلت آية الانعام تحذر المسلمين من المشركين ، وتأمرهم أن يعرضوا عنهم وعن مجالسهم حين يسمعون الكفر والاستهزاء بآيات الله.
وتمضي الأيام ، ويهاجر المسلمون الى المدينة ، وفيها يهود ومنافقون أظهروا الإسلام ، وأضمروا الكفر ، وأعاد بعض المسلمين السيرة الأولى ، وجالسوا اليهود والمنافقين بالمدينة ، وهم يخوضون في ذم الإسلام ونبيه ، فنزلت هذه الآية المدنية التي نفسرها ، لتذكر المسلمين بآية الانعام السابقة ، وتأمرهم بمقاطعة الكافرين والمنافقين المستهزئين بآيات الله.
وأيا كان سبب نزول الآية ، أو المخاطب بها فإنها عامة الدلالة على وجوب الاعراض عن كل من يخوض بالباطل ، ولا يختص هذا الوجوب بمن كان يجالس الكافرين في مكة ، والمنافقين في المدينة ، ولا بمن خوطب بهذه الآية بناء على انها موجهة لخاص ، لا لعام. وفي الحديث : الوحدة خير من قرين السوء. وفي ثان : إياكم ومجالسة الموتى ، فقيل : ومن هم الموتى يا رسول الله؟. قال : كل ضال عن الايمان ، جائر في الأحكام. وفي نهج البلاغة : مجالسة أهل الهوى منساة للايمان ، ومحضرة للشيطان.
(إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ). الراضي بالكفر كافر ، وبالإثم آثم ، مهما كان نوعه باتفاق الفقهاء والعلماء ، وقد تواتر الحديث : العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به شركاء .. وبالأولى من رضي بالكفر. وفي نهج البلاغة : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه ، وعلى كل داخل إثمان ، إثم العمل به ، وإثم الرضا به.
(إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً). ولنا ان نؤلف من قوله هذا ، وقوله : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ان نؤلف قياسا منطقيا ، يتألف من مقدمتين ينتجان قضية حتمية بديهية ، ونقول هكذا : كل من رضي بالكفر فهو كافر ، لقوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ، وكل كافر فهو في جهنم ،