طبع أصيل في اليهود ، وجبلة لا تنفك عنهم ، ولا ينفكون عنها ، مهما تغيرت الأزمان ، وتطورت الأحوال ، تماما كما لا ينفك اللدغ عن طبع العقارب ، ونفث السموم عن جبلة الأفاعي ، وإذا وجد في كل انسان استعداد للخير والشر فان طبيعة اليهود متمحضة للشر وحده. وإذا وجد منهم بين الحين والحين من يعرف الحق ، ويعمل به فانه قليل نادر ، والنادر لا ينقض القاعدة ، بل يكرسها ، وقد استثنى سبحانه هذه القلة بقوله :
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ). الراسخون في العلم هم العلماء العاملون بعلمهم ، لا المحيطون بما دوّن في الكت ، والمحققون المدققون في أبحاثهم ونظرياتهم ، وان لم يعملوا ـ كما يتوهم ـ. وقد استوحينا هذا المعنى من قول علي أمير المؤمنين (ع) : «العلم يهتف بالعمل ، فان أجابه والا ارتحل عنه».
وتسأل : ان الله سبحانه عطف (المؤمنون) على (الراسخون في العلم) وأخبر انهما معا يؤمنون بالقرآن والتوراة والإنجيل ، وهذا الإخبار يصح بالنسبة الى الراسخين في العلم من اليهود ، ولا يصح بالنسبة الى المؤمنين بمحمد (ص) ، لأن معناه على هذا ان المؤمنين يؤمنون ، وهو أشبه بقول القائل : الواقفون يقفون ، والنائمون ينامون ، والقرآن منزه عن مثله ، فما هو التأويل؟.
الجواب : ان هذا السؤال أو الإشكال انما يتجه لو فسرنا المؤمنين في الآية بالمؤمنين من صحابة الرسول من غير أهل الكتاب ، كما فعل صاحب مجمع البيان ، ولم يمنعه الرازي وصاحب المنار وأكثر المفسرين .. أما إذا فسرنا المؤمنين باليهود المقلدين للراسخين في العلم منهم فلا يتجه السؤال ، إذا يكون المعنى ان الراسخين في العلم من اليهود والآخذين بأقوالهم من أهل ملتهم يؤمنون بالقرآن والتوراة والإنجيل ، أولئك يؤمنون استدلالا ، وهؤلاء يؤمنون تقليدا. ونحن نميل الى هذا التفسير : ونرجحه على الأول.
(وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ). وقد كثر الكلام حول نصب المقيمين ، حتى روي عن عثمان وعائشة انه لحن ، وأبطل الرازي ذلك بقوله : «ان المصحف منقول بالتواتر عن رسول الله (ص) فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه». والصحيح انه