أجل ، يتجه هذا السؤال : لما ذا نصب المقيمين الصلاة على المدح ، دون غيرها من المعطوفات؟.
ونجيب : قد يكون ذلك لإبراز قيمة الصلاة وعظمتها ، وانها عمود الدين والايمان ، إذا قبلت قبل ما سواها ، وإذا ردت رد سواها. والصلاة مفعول للمقيمين. والمؤتون الزكاة خبر مبتدأ محذوف ، أي وهم المؤتون الزكاة.
المعنى :
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً). ما زال الكلام عن اليهود وقبائحهم ، فقد ذكر سبحانه في الآيات السابقة وقاحتهم بطلبهم رؤية الله جهرة ، وعبادتهم العجل ، واعتداءهم في السبت ، ونقضهم الميثاق ، وكفرهم بآيات الله ، وقتلهم الأنبياء ، وقولهم قلوبنا غلف ، وافتراءهم على مريم ، وتبجحهم بقتل المسيح .. وذكر هنا صدهم عن سبيل الله ، وأكلهم الربا والرشوة ، وانه سبحانه بسبب هذه القبائح والفضائح حرم عليهم في الدنيا بعض الطيبات التي كانت حلالا لهم ولغيرهم.
(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ). معطوف على بظلم من الذين هادوا. وقيل : ان اليهود أول من سنّ الربا وشرّع تحليله ، وتكلمنا عنه مفصلا عند تفسير الآية ٢٧٥ من سورة البقرة ج ١ ص ٤٣٣. (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ). كالرشوة وغيرها من الوجوه المحرمة ، وقد وصفهم سبحانه في الآية ٤٢ من سورة المائدة بأنهم : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ). أما الطيبات التي حرمها عليهم فهي التي أشار اليها سبحانه بقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) ١٤٦ الأنعام.
وإذا قارنا بين سيرة اليهود منذ القديم ، بخاصة في عهد موسى وعيسى ومحمد ، وبين وسائلهم وطرائقهم اليوم لم نجد أي فرق بين يهود الأمس ويهود اليوم ، من حيث الضلال والفساد ، والعداء للانسانية وقيمها ، وعدم الخضوع الا (للطور) يرفع فوق رؤوسهم .. وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان الشر