ويتصدى له عدو ، اسمه أبو لهب؟ ... ان في هذا الاخبار دلالة واضحة صادقة على أمرين : الأول صدق محمد في نبوته ، وعموم رسالته. الثاني ان الله سبحانه قد أرسل في القديم البعيد أنبياء لم نسمع بهم ولا بقصصهم. ثم ما يدرينا ان الذين نقرأ أو نسمع عنهم باسم الحكماء كانوا من الأنبياء ، وان تعاليمهم كلها أو جلها قد درست أو حرفت؟.
وبعد ، فان بعثة الأنبياء للشرق والغرب موضوع هام ، ويتسع لكتاب مستقل ، أما هذه المناسبة ، وهي تفسير قوله تعالى : (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) فإنها لا تتسع لأكثر مما ذكرنا ، وربما تجاوزنا ، ونرجو الله سبحانه أن يتيح لهذا الموضوع العلمي النافع من يتمتع بالعلم والصبر على البحث والتنقيب.
(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً). لم يذكر الله سبحانه موسى مع من ذكر من الأنبياء في الآية ، وأفرد له هذه الجملة ، لأنه تعالى قد خصه بالتكليم من دونهم ، مع العلم ان الجميع قد تلقوا كلامه جل وعلا ، ولكن لتلقي لهذا الكلام صورا ذكرها جلت كلمته في الآية ٥١ من الشورى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) .. اذن تكلم موسى كان من وراء حجاب .. ولكن لا يعلم أحد طبيعة هذا الحجاب ، وكيف تم ، وقد سكت الله عن ذلك ، فنسكت نحن عما سكت الله عنه ، وعلى أية حال فان تخصيص موسى بالتكليم لا ينقص من مكانة سائر الأنبياء ، ولا يدل على انه أفضل وأكمل ، كلا ، فان إرسال الروح الأمين الى خاتم النبيين هو أعلى المراتب وأكملها.
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). ان قاعدة لا عقاب بلا بيان كما يعبر الفقهاء ، أو لا عقوبة بلا نص كما يقول أهل الشرائع الوضعية، ان هذه واضحة بذاتها لا تحتاج الى دليل ، بل هي دليل على غيرها .. وحيث ان الله سبحانه لم يترك الإنسان سدى ، بل أمره ونهاه ، ولا بد من إبلاغه الأمر والنهي ، حتى تقوم عليه الحجة لو خالف ، والا كانت الحجة له فيما لا يعرف إلا بالوحي ، وحيث ان الرسل وسطاء بين الله وخلقه في تبليغ أحكامه ووعده ووعيده ، لذلك أرسل الله مبشرين ومنذرين