فهل بعد هذا النص مبرر لتفسير كلمة الله وروح الله بذاته وصفاته؟ بل لا مبرر لهذا التفسير ، حتى ولو جاءت الكلمتان في القرآن منفردتين مستقلتين ، لا يسوغ هذا التفسير بوجه من الوجوه ، مع نسبتهما الى القرآن الذي قال بلسان مبين : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) ـ ٧٣ المائدة». أبعد هذا التكفير الصريح يقال : ان القرآن يؤيد النصارى في قولهم : المسيح هو الله ، أو ابن الله ، أو فيه صفة من صفات الله؟ وإذا كان القرآن حجة في بعض آياته أو كلماته فيجب أن يكون حجة أيضا في قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ). وفي قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١) وإذا لم يكن القرآن حجة في قوله هذا فيجب أن لا يكون حجة في غيره ... أما الايمان بالجميع ، واما الكفر بالجميع ، والتفكيك خداع وتدليس.
لقد أساء المبشرون أو الكثير منهم الى السيد المسيح ، والى أنفسهم ، أساءوا بالتحريف والتزييف الذي ذكرنا منه كلمتين على سبيل المثال ، دون الحصر .. ولنفترض ان رجلا عاديا انخدع لهم ، فهل يكون هذا ربحا للمسيح والمسيحية؟ وما ذا تكون النتيجة لو انكشف له الغطاء ، كما انكشف تطوعهم لصالح جهة معينة ، ولم يجدهم التستر باسم التبشير ، والدعوة الى الصلاة والتكبير.
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ). لأنه لا طريق لهم الى ثواب الله ، والنجاة من عذابه إلا الإخلاص في العبودية له وحده. (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً). وهناك ينتظرهم العذاب الأليم. ولا شيء عندنا لتفسير قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الى آخر الآية ، لأنها أوضح من أن تفسر .. حتى قولي : وهناك
__________________
(١) وأغرب ما قرأت قول بعض المبشرين والمستشرقين : ان محمدا أخذ تعاليمه من الإنجيل والأحبار ، ونسأل هؤلاء : هل أخذ محمد هاتين الآيتين ، وما اليهما من الآيات والأحاديث التي كفرت النصارى ، ونعت عليهم ما اعتقدوا وما حرفوا من دين السيد المسيح (ع) ، هل أخذ محمد هذه التعاليم من الإنجيل ورجالات الكنيسة في عصره؟ .. إذن ، يكون هذا اعترافا منهم بالكفر على أنفسهم ..