أب؟ هل خلق عيسى (ع) أعظم من خلق السموات والأرض؟ : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٥٧ غافر» .. فكلمة (كن فيكون) هي نفس الكلمة التي أطلقها الله على عبده عيسى في قوله : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) ومعنى إلقائها الى مريم ان الله أعلمها على لسان ملائكته بهذا المولود : «إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ـ ٤٥ المائدة». فالكلمة هنا هي الكلمة هناك.
أما الروح التي نعت بها سبحانه عيسى في هذه الآية وغيرها فالمراد بها الحياة التي لا مصدر لها الا هو جل ثناؤه ، وان الله سبحانه قد وهبها لعيسى ، كما وهبها لطينة آدم : «إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ـ ٧١ ص». فالروح في طينة آدم هي الروح في رحم مريم. فما يقال في تلك يقال في هذه ، والفرق تحكّم.
وحاول المبشرون من رجال الكنيسة أن يوهموا من لا علم له بالكتاب وأسرار اللغة ان قوله تعالى : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) هو حجة لهم لا ردّ عليهم بعد أن فسروا كلمة الله وروح الله بالمعنى المساوي لله وصفاته ، لا بأثر من آثار قدرته وعظمته ، كما هو الحق .. ولو جاءت (كلمة الله وروح الله) في سياق آخر لحملنا المبشرين في تفسيرهم الخاطئ على غير المكر والخداع .. ولكن المبشرين قد انتزعوا الكلمتين ـ بسوء نية ـ من بين نهيين : أحدهما نهي عن الغلو في السيد المسيح (ع) ، وثانيهما نهي عن القول بالتثليث ، ونسبة الولد اليه تعالى ، ثم فسروا الكلمتين بما يتفق مع أغراضهم ومقاصدهم ، كما لو جاءتا في قاموس من قواميس اللغة .. ولا معنى لهذا الا التدليس والتلبيس.
ونعيد الآية بمجموعها احترازا من غفلة القارئ عنها : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً).