ومن الطريف قول بعضهم ـ كما في تفسير الرازي ـ ان من الصالحين اشارة الى «ان ما من نبي إلا وقد عصى ، أو همّ بمعصية غير يحيى فلم يعص ، ولم يهم». وبالاضافة الى أن في هذا القول مسا بمقام محمد (ص) فانه يتنافى وحكم العقل ، لأن النبي انما أرسل لدفع المعاصي ، فإن عصى احتاج الى نبي .. بداهة ان القذارة لا تزال بمثلها .. تعالى الله وأنبياؤه عما يقول الجاهلون.
(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ). قالوا كان زكريا ، حين قال هذا ، قد أتم ١٢٠ سنة من عمره ، وامرأته ٩٨ ..
وهنا سؤال يفرض نفسه ، وهو ان زكريا سأل ربه أن يهبه ذرية طيبة ، ومعنى هذا انه سأل شيئا ممكنا في اعتقاده ، فكيف عاد واستبعد ذلك عند ما بشرته الملائكة؟
الجواب : لم يكن قوله هذا شكا واستبعادا ، وانما هو استعظام لقدرة الله التي تخطت السنن والعادات ، تماما كما تقول لمن يهب الكثير الثمين من ماله : كيف فعلت ما لم يفعله أحد سواك؟ وأيضا يتضمن هذا الاستعظام والتعجب الشكر لله على هذه النعمة الجليلة التي لم تكن في الحسبان .. وأيضا نستفيد من أصل المعجزة ان على الإنسان أن لا يقيس مشيئة الله بما يراه هو ممكنا أو مستحيلا.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً). لما كان علوق الرحم بالنطفة أمرا خفيا أحب زكريا أن يعلم به حين حدوثه ، ليتلقاه بالشكر منذ اللحظة الأولى ، ولهذا سأل ربه أن يجعل له علامة يعرف بها وقت العلوق ، فقال له تعالى : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ). أي ان علامة حدوث العلوق أن يحتبس لسانك ، ويعجز عن النطق مع الناس ثلاثة أيام ، فإذا أردت الكلام لم يتحرك ، وانما تتفاهم معهم بالاشارة ، شأنك في ذلك شأن الأخرس ، ولكن لسانك ينطلق كما تريد حين تتجه الى الله في عبادتك ومناجاتك ، ولذا قال تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً). وهذه معجزة ثانية تضاف الى حمل العاقر.