الله كذلك ، والله يفعل ما يشاء مبتدأ وخبر ، ورمزا قائم مقام المفعول المطلق ، أي إلا كلاما رمزا ومثله كثيرا ، أي ذكرا كثيرا.
المعنى :
(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً). سبق القول : ان زكريا كان زوجا لخالة مريم ام عيسى ، وانه هو الذي كفلها ، ولم يكن لزكريا ولد ، وحين رأى صلاح مريم ، وما أجرى الله على بدها من الكرامات تحركت في نفسه عاطفة الأبوة ، وحب الذرية ، فاتجه الى الله يدعو ويتضرع اليه أن يحقق رغبته ؛ واستجاب الله سبحانه لدعوته :
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ). يحيى اسم سماه الله به قبل أن يولد ، ولم يجعل له من قبل سميا ـ كما في الآية ٧ من سورة مريم ـ وعلى هذا فلا وجه للبحث ان هذا الاسم هل هو عبري أو عربي ، كما في بعض التفاسير .. أجل ، له مصدر في اللغة ، وهو الحياة ، ويتناسب اسمه مع احياء الله سبحانه لعقر أمه. (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ). قيل : ان كلمة الله اشارة الى عيسى الذي خلقه الله بكلمة (كن) من غير أب .. ولكن عموم كلمة الله يرجح الحمل على جميع آياته وأحكامه.
وقال صاحب مجمع البيان : كان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر ، وهو أول من صدقه ، وشهد بأن مولده معجزة من الله ، وكان ذلك أقوى الأسباب لإظهار أمر عيسى ، لأن الناس كانوا يثقون بيحيى ، ويقبلون منه ما يقول.
(وسيدا) في العلم والدين ومكارم الأخلاق (وحصورا) يملك زمام نفسه ويمنعها عن الذنوب ، وقيل عن إتيان النساء (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) وكل الأنبياء صالحون ، بل معصومون ، والعصمة فوق العدل والصلاح ، وعليه يتعين أن يكون قوله : (مِنَ الصَّالِحِينَ) اشارة إلى أن زكريا تحدّر من أصلاب طاهرة ، وأرحام مطهرة .. ويتفق هذا مع قول الشيعة الإمامية : ان جميع آباء الأنبياء يجب أن يكونوا مؤمنين بالله واليوم الآخر.