المعنى :
(إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ). والمراد بالملائكة هنا جبريل ، لقوله تعالى في سورة مريم : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا). حيث المراد بالروح هو جبريل ، وذكره بلفظ الجمع ، لأنه رئيس الملائكة ، وكلمة منه اشارة الى قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ).
(وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ). أما وجاهته في الدنيا فهي تقديس الناس وتعظيمهم له الى يوم يبعثون ، أما في الآخرة فلعلو درجاته غدا عند الله.
(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ). تكلم في المهد للدلالة على براءة أمه من قذف اليهود لها بيوسف النجار ، وهم قومها ، عليهم لعائن الله ، وزعم النصارى أنه لم يتكلم في المهد .. وقال ابن عباس : كان كلام عيسى لحظة قصيرة ، ولم يزد عما جاء في القرآن ، ثم لم يتكلم ، حتى بلغ أوان الكلام كغيره من الأولاد .. وهذا القول يساعد عليه الاعتبار ، لأن الغرض من كلامه أن يبرئ أمه من التهم والشبهات ، وقد حصل الغرض بما قاله أولا .. (وكهلا) أي يكلم الناس بالوحي ، وهو كهل ، وهذه معجزة أخرى تدل على نبوته ، لأنه إخبار بالغيب انه سيعيش الى سن الكهولة ، وقيل : عاش في الأرض ثلاثين سنة. وقيل : أتاه الوحي ابن ثلاثين ، وعاش بعده ثلاث سنين.
(قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ). هذا استعظام منها لقدرة الله تعالى ، لأنه خارج عن المعتاد ، ولا وجه لما جاء في بعض التفاسير من أنها سألت : هل يأتيها الولد بسبب الزواج؟ لا وجه لهذا السؤال لأن الجواب عنه بقوله تعالى : (قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). ان هذا الجواب يدل على انها كانت على علم بأنها ستلد من غير زواج.
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ). الكتاب مصدر بمعنى الخط ، كالقتال بمعنى الضرب ، ثم كثر استعماله في اسم المفعول ، أي المكتوب ، وبصورة أخص في هذا المعلوم الذي له طرفان ، وما بينهما أبواب ومسائل ،