والمراد بالكتاب هنا المعنى المصدري ، أي الخط ، لأن ذكر التوراة والإنجيل بعد ذكر الكتاب يرجح حمله على الخط والكتابة .. وقيل : بل المراد به المعنى الظاهر ، وانما ذكر التوراة والإنجيل بعد الكتاب الشامل لهما للاهتمام بهما ، تماما كقوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى).
والحكمة هي وضع الشيء في موضعه ، وهذه الآية دليل قاطع على ان التوراة هي الركيزة الأولى لدين المسيح ، وان الإنجيل امتداد لها ، مع بعض التعديلات ، كتحليل بعض ما جاء فيها من المحرمات المشار اليه بقوله : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ).
(وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ). أرسل الله محمدا (ص) للناس كافة ، كما نصت الآية ٢٨ من سورة سبأ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). أما عيسى (ع) ، وهو اسرائيلي ، فإنه أرسل الى قومه بمقتضى ظاهر هذه الآية .. وتعميم رسالته للناس كافة يحتاج الى دليل.
(أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ). هذا خطاب من عيسى لقومه الاسرائيليين ، محتجا على صدق نبوته بأن لديه معجزة تدل على انه مرسل اليهم من الله ، وهذه المعجزة هي قوله :
(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). هذه أربع معجزات : الأولى إنشاء الحياة في الطين ، وجعله طيرا. الثانية : إبراء الأكمه ، وهو الذي يخلق أعمى ، والأبرص ، وهو الذي في جلده بياض منفر .. وقيل : ان الطب كان متقدما في عهد عيسى ، ولكن برغم تقدمه فقد عجز أمهر الأطباء عن هذين الداءين : العمى والبرص ، فجعل الله الشفاء منهما على يد عيسى من غير علاج معجزة تدل على نبوته.
المعجزة الثالثة : رد الحياة إلى الميت. الرابعة الإخبار بالغيب عما يأكلون وما يدخرون .. وليس من شأننا البحث عن السر لهذه المعجزات وكيفية إنشاء الحياة ، أو ردها إلى الأموات ، ولا عن ازالة الأمراض المستعصية من غير علاج ، وإذا