أشرف عليه (١).
وكفى دليلا على هذه الحقيقة قوله تعالى : (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) ـ المائدة ٧٠». وقد كذّبوا السيد المسيح ، وحاولوا قتله ؛ لأنه دعاهم الى المحبة والعدالة والمساواة ، وان لا يكنزوا الذهب وحولهم الجياع والمعوزون ، ومن تعاليمه : «لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض .. غني يدخل باب السماء كحبل غليظ يدخل سم الخياط».
المعنى :
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ). كان اليهود قبل ميلاد عيسى يؤمنون بالمسيح المنتظر ، فلما جاءهم بالبينات والمعجزات اختلفوا فيه ، فآمن به المساكين والمستضعفون الذين لا يخافون على مال ولا جاه ، وكفر به أكثر أهل الجاه والمال خوفا على مناصبهم ومكاسبهم ، كما هو شأنهم مع كل مصلح ، نبيا كان أو غير نبي ، مع علمهم بأنه الصادق المحق.
وقال بعض المفسرين : ان اليهود رفضوا الايمان بمحمد ، لأنه عربي من نسل إسماعيل ، ولو كان يهوديا من نسل اسحق لآمنوا به ، وهذا خطأ ، لأن عيسى (ع) من اليهود ، ومع هذا حاربوه ، وحاولوا قتله وصلبه .. وكذلك محمد (ص) حاربه صناديد قريش ، والسر هنا وهناك واحد ، وهو الحرص على الدنيا والمنافع ، لا العصبية القومية.
ومهما يكن ، فقد أحس عيسى من قومه الإصرار على الكفر والعناد ، ولاقى منهم الشدائد ، تماما كما لاقى محمد (ص) من قومه ، وعندها قال عيسى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ). أي من هم؟ وأين هم؟ المؤمنون الذين يناصرون دين الله ، ويحامون عنه ، ويبلّغونه بعدي الى الناس .. إذ لا بد لكل صاحب رسالة من أنصار ينهضون بها ، ويذبون عنها ، وينشرونها بين الناس.
__________________
(١) يأتي في تفسير الآية ٦١ من هذه السورة أن وفد نجران اعتقد نبوة محمد ، ومع ذلك رفض الاعتراف بها للأموال التي يقبضها من الملوك.