الاعراب :
قد يتوهم ان جملة خلقه من تراب صفة لآدم ، وهذا لا يستقيم لأنها جملة مستأنفة ، وجواب على سؤال مقدر ، كأنّ سائلا يسأل : بأي شيء أشبه عيسى آدم؟ فأجيب بأن كلا منهما خلق من غير أب ، بل وجود آدم أغرب ، لأنه بلا أم أيضا .. فجملة خلقه من تراب ترتبط بآدم معنى لا لفظا ، وقوله : لهو يجوز أن يكون ضمير فصل لا محل له من الإعراب ، ويجوز أن يكون مبتدأ والقصص خبر ، والجملة خبر ان.
المعنى :
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). قال المفسرون : ان وفد نجران اليمن قالوا لرسول الله (ص) : مالك تشتم صاحبنا؟ ـ أي عيسى ـ قال : وكيف؟ قالوا : تقول : انه عبد. قال : أجل ، هو عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء. قالوا : وهل رأيت إنسانا من غير أب؟ فنزل قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ).
وسواء أصحت هذه الرواية ؛ أم لم تصح فإن هذا هو موضوعها بالذات .. فلقد كان النصارى ، وما زالوا يحتجون لعقيدتهم بربوبية عيسى انه نشأ من غير أب .. وقد قطع الله حجتهم هذه ، وأبطلها بآدم ، فإن كان عيسى إلها أو ابن إله لأنه من غير أب فبالأولى أن يكون آدم كذلك ؛ لأنه من غير أب وام .. وما أجابوا عن هذا النقض ، ولن يجيبوا عنه الى آخر يوم.
وتسأل : ان الظاهر من قوله تعالى : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ان الله قد أنشأ آدم وأوجده ، وانتهى كل شيء ، وعليه يكون الخلق متقدما على قول : (كُنْ فَيَكُونُ) ولم يبق أي وجه لهذا القول ، لأنه إيجاد للموجود ، وخلق للمخلوق .. وبديهة ان كلام الله يجب أن يحمل على أحسن المحامل.
الجواب : ان الله خلق آدم على مراحل ، منها انه خلقه من طين بلا روح ،