وقد اختلفوا في المراد منه : هل هو العقل ، أو الزبور ، أو القرآن ، أو كل دلالة فاصلة بين الحق والباطل ، واختار الشيخ محمد عبده العقل ، وصاحب مجمع البيان القرآن. ولفظ الآية يحتمل المعنيين.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ). قال المفسرون : ان ستين رجلا من نصارى نجران اليمن وفدوا على رسول الله السنة التاسعة للهجرة ، وهي السنة المعروفة بعام الوفود ، حيث توافد فيه الناس على النبي (ص) من شتى بقاع الجزيرة العربية يخطبون وده بعد أن نصره الله على أعداء الإسلام (١) واحتج وفد نجران لعقيدة النصارى بالتثليث وألوهية عيسى ، احتج بأن عيسى ولد من غير أب ، وبما جرى على يديه من المعجزات التي اعترف بها القرآن.
وقال المفسرون أيضا : ان سورة آل عمران من أولها إلى نحو ثمانين آية نزلت في نصارى نجران ، والرد عليهم ، فبدأ الله سبحانه بذكر التوحيد نفيا للتثليث ، ثم ذكر القرآن والتوراة والإنجيل ، لأن هذه الكتب الثلاثة تنزه الله عن الولد ، والحلول أو الاتحاد ، وتنفي عن عيسى طبيعة الالوهية ، ثم ذكر سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) للرد على قول النصارى بأن عيسى كان يعلم الغيب.
ثم ذكر جل وعلا انه (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). ذكر سبحانه هذا ليبطل به قول النصارى بأن عيسى إله لأنه من غير أب ، ووجه البطلان ان الإله لا يخلق ويوجد في الأرحام ، وإنما الإله هو الخالق المصور للمخلوق في رحم أمه ، فان شاء خلقه وصوره بواسطة الأب ، وان شاء خلقه بغير هذه الواسطة حسبما تستدعيه حكمته القدسية.
وخلاصة القول ان الإخبار ببعض المغيبات ، وإحياء بعض الأموات ، والولادة بلا أب لا يدل شيء منها على ان عيسى إله ، لأن الإله هو الذي يعلم جميع المغيبات ، لا بعضها ، والذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ،
__________________
(١) التفصيل عند تفسير الآية ٦١ المعروفة بآية المباهلة. فإلى هناك.