وقول النصارى انه كان نصرانيا ، ورد هذا الزعم بالبديهة ، لأن اليهودية حدثت بعد موسى ، وبينه وبين ابراهيم ألف سنة ، والنصرانية حدثت بعد عيسى ، وبينه وبين ابراهيم ألفا سنة ، كما جاء في تفسير روح البيان ، فكيف يكون السابق على دين اللاحق (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
ويذكرنا قول النصارى واليهود بنادرة يتناقلها اللبنانيون ، ويتندرون بها ، وهي أن رجلين تصاحبا صدفة في سفر ، ولما أخذا بالحديث سأل أحدهما صاحبه : هل حججت في مكة المكرمة؟ فقال له : أجل أديت ما عليّ ، والحمد لله. فقال له صاحبه : هل رأيت زمزم هناك؟ قال : نعم ، انها بنت كويّسة .. قال له : ويلك. انها بئر ماء ، وليست بنتا .. قال : اذن حفروها بعد ما أديت الفريضة.
وحكاية المذاهب والفرق التي حدثت بعد الرسول الأعظم (ص) تشبه حجة هذا الرجل الى حد بعيد .. وكل من أخذ دينه عن انسان فهو من هذا النوع إلا إذا ثبت النص عليه من الرسول الأعظم (ص) كثبوت حديث الثقلين الذي أوجب الأخذ والتعبد بكتاب الله وأهل بيت رسول الله ، وساوى بينهما ، وذكرنا ذلك عند تفسير الآية ٣٩ من سورة البقرة.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). قد يتخصص الإنسان بعلم من العلوم ، أو بموضوع من الموضوعات ، وعليه فله أن يجادل فيه ويناقش ، وليس من الضروري أن يكون مصيبا في جميع أقواله وجداله ، وانما المهم أن يكون من أهل المعرفة به ، ولو في الجملة .. اما أن يجادل ويناقش في أمر لا يعرف عنه شيئا ، ويبعد عنه كل البعد ، أما مثل هذا الجدال والنقاش فهو جهل وحماقة.
وأهل الكتاب لهم علم بدينهم الذي اعتقدوا بصحته ، فيكون لجدالهم فيه وجه ، ولو بحسب الظاهر ، أما جدالهم في دين ابراهيم فلا وجه له واقعا ، ولا ظاهرا ، لأنهم لا يعرفون عنه شيئا.
(ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). لم يكن يهوديا ، لأن بينه وبين موسى ألف سنة ، ولم يلتق في عقيدته وواقعه بالديانة اليهودية ، لأنها محرفة عما جاء به موسى (ع) ، ولم يكن ابراهيم نصرانيا ،