بالخير هنا ما ينتفع به الإنسان في هذه الحياة ، ومن أجل هذا يستعجل به ، ولا يصبر عنه ، والمراد بالشر ما يتضرر به ، وهو يأباه ويكرهه بفطرته الا لسبب عارض كدرء ما هو أشد ، قال الشاعر :
تحملت بعض الشر خوف جميعه |
|
كذلك بعض الشر أهون من بعض |
أو يكون الإنسان في حال غير طبيعية كمن يقدم على الانتحار ، أو في حال عناد يواجه خصما عجز عن مقاومة حجته بحجة مثلها ، كما عجز المشركون عن الرد على محمد (ص) حين أظهر الله على يده ما أظهر من المعجزات ، وقالوا : اللهم ان كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم .. وقد أجاب سبحانه كل من يستعجل الشر ونزول العذاب من السماء ، أجابه بأن الحكمة تقتضي أن لا يستجيب الله الى طلبه ، وأن يستبقيه الى حين ، فربما زال العارض الذي تمنّى معه الشر ، وتحقق بعده الخير ، كما حصل من كثير من الذين قالوا : اللهم أمطر علينا حجارة من السماء ، فقد أسلم منهم جماعة ، وخرج من صلب آخرين كثير من المؤمنين ، ولو عجل الله بأجلهم لما حصل شيء من ذلك.
والخلاصة انهم استعجلوا وقوع الشر ، تماما كما يستعجلون الخير ، ولكن الله سبحانه أخرهم الى ما أراده لهم من الخير.
(فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ). أي انه تعالى لا يعجل العذاب لمن لا يوقنون بالبعث ممن كفر بنبوة محمد (ص) ، بل يتركهم وشأنهم ، حتى لو تمردوا على أمره سبحانه ، وترددوا في الطغيان والعصيان.
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً). لجنبه وقاعدا وقائما كناية عن خضوعه وتضرعه في جميع حالاته وحركاته وسكناته ، والمعنى لو نزل أدنى مكروه بمن استعجل الشر لفقد الصبر ، وانهارت أعصابه ، ولجأ إلينا خاضعا متذللا في جميع أحواله لنكشف عنه الضر (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ). ان الأوضاع الفاسدة قد تضطر الإنسان الى الكذب والرباء والتملق لمن حاجته في يده ، ولكن ما الذي يضطره الى العقوق ونكران