التدبير لتعذر على يوسف ان يضم أخاه اليه. ذلك بأن من شرع ملك مصر وقضائه ان لا يعاقب السارق بالأسر او الاسترقاق ، بل بعقوبة أخرى كالسجن أو الضرب ويوسف لا يريد المكروه لأخيه ، فأوحى الله اليه بهذا التدبير وهو المقصود بقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
والخلاصة ان الحكمة اقتضت ان لا يقول يوسف : هذا أخي ، ولا ان يأخذه بغير مبرر ، ولو ظاهرا ، وكان من شريعة آل يعقوب أن يسترق السارق ، ومن شريعة الملك وأهل مصر ان يسجن أو يضرب ، فاتخذ يوسف هذا التدبير الذي أوحاه الله اليه ليلزم اخوته بما ألزموا به أنفسهم. (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) بالعلم والنبوة ، كما رفعنا يوسف على اخوته. (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) حتى ينتهي الى العلي الأعلى. وفيه إيماء الى ان اخوة يوسف كانوا علماء ، ولكن يوسف اعلم وأكمل.
(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠))