(قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) كيف؟. والحق يستهدف هداية الناس الى الواقع ، والسحر يزيف الواقع ويحرفه ، ويضلل الناس عنه (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) وهل يفلح المشعوذ الدجّال؟. (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) ـ أي تصرفنا ـ (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا). هذه معزوفة يرددها من يحافظ على الأوضاع الفاسدة التي تضمن له منافعه ومكاسبه .. فالمسألة مسألة خوف على المصالح والسلطان ، لا مسألة آباء وأصنام .. والدليل ما حكاه الله عنهم بقوله : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ). هذا قول فرعون وجلاوزته لموسى وأخيه (ع) ، والمعنى ان الدافع لكما على ادعاء الرسالة من الله هو ان يكون لكما الملك والسلطنة في أرض مصر من دوننا .. وبهذا يفصح فرعون وملؤه عن تخوفهم على ملكهم وطغيانهم ، ولذا قالوا لموسى وهرون ، (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) بل مقاومين ومحاربين دفاعا عن منافعنا وامتيازاتنا.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) وهو لا يعلم ما ذا يخبئ الدهر له فلما جاء السحرة قال لهم موسى (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ). قال هذا مستخفا بهم وبسحرهم وفرعونهم لأن الله سبحانه وعده الفوز والنصر (فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) هو باطل من أصله ، ولكن الله سيظهر بطلانه للناس ، أما عصا موسى فلا يأتيها الباطل إطلاقا لأنها حق من عند الله (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) بل يزيله ويمحقه (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) وهي الحجج الدامغة ، والبراهين القاطعة (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) لأن كراهيتهم لا تعطل مشيئة الله.
(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقالَ