الله للشيء ان يحيط به علما من جميع جهاته ، ومعناها من الرسول (ص) ان يعلم الشيء المرئي من وجهة الوحي الذي نزل عليه ، ومعناها من المؤمن العارف أن يعلمه بقدر ما علم وفهم من الوحي المنزل على الرسول (ص) .. وعلى هذا فمن عمل لله فان الله يعلم حقيقة عمله ، ويرضى عنه ، والرسول يعلم أيضا أن هذا العمل مرضي عند الله ، والمؤمن العارف أيضا يعلم انه مرضي عند الرسول ، والنتيجة الحتمية لذلك ان من يعمل صالحا فهو مرضي عند الله والرسول والمؤمنين.
(وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). تقدم نظيره مع تفسيره في الآية ٩٤ من هذه السورة.
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ). ذكر سبحانه في الآية ١٠٠ وما بعدها أربعة أصناف : السابقين الى الهجرة والنصرة ، والتابعين لهم بإحسان ، والمنافقين ، والمعترفين بذنوبهم .. وأشار في هذه الآية إلى قوم لم يحددهم بصفاتهم كما فعل في الأصناف الأربعة ، ولم يصرح بحكمهم في هذه الآية ، وانما قال : انهم مؤجّلون الى عذاب الله أو مغفرته ، أي ان أمرهم موكول اليه وحده ، وقد أبهمه عليهم وعلى الناس ، وقد تكون الحكمة في هذا الإبهام ان يترددوا بين الخوف والرجاء ، فلا يطمعوا ولا ييأسوا (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عليم بما يصلح هؤلاء وغيرهم ، وحكيم في إرجاء النص على حكمهم ، وفي كل ما يفعل.
وقال كثير من المفسرين : ان هذه الآية نزلت في جماعة من المسلمين تخلفوا عن الرسول في غزوة تبوك ، ثم ندموا .. وقد نصت الآية الآتية ١١٨ على ان ثلاثة من الصحابة تخلفوا عن الخروج الى تبوك مع رسول الله (ص) ، ثم تابوا ، وان الله قبل توبتهم ، وأعلن قبولها ، ولم يدعهم في التردد بين الخوف والرجاء .. هذا ما بدا لنا عند تفسير الآية التي نحن بصددها ، ولا ندري ما نجد من المعاني حين يسيطر جو الآية ١١٨. فالى هناك.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً