هو السبب الأول الذي خلق الطير وزوده بمعدات الطيران .. وأنكر الأشاعرة وجود الأسباب الطبيعية بشتى أنواعها وأشكالها ، وقالوا : كل الأفعال تسند الى الله مباشرة وبلا واسطة ، سواء أظهرت هذه الأفعال من طير أم حشرة أم حيوان أم انسان أم من الطبيعة .. فلا علاقة على الإطلاق بين الإحراق والنار ، ولا بين الري والشرب ، ولا بين الشبع والأكل .. ولكن الله يوجد الإحراق عند مماسة النار للجسم ، ويوجد الري عند شرب الماء ، والشبع عند أكل الطعام .. ويكفي لرد هذا القول انه يخالف الحس والوجدان ، وان اللازم له أن يكون الإنسان تماما كالحيوان والجماد ، لا يوصف بطيب أو خبيث ، وبمجرم أو بريء ، وانه لا يستحق مدحا ولا ذما ، ولا ثوابا ولا عقابا ، لأن المفروض ان الله هو الفاعل والإنسان ظرف للفعل ، تماما كالإناء الذي يوضع فيه ماء.
٣ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً). والمراد بالسكن هنا الفعل والاستقرار في البيوت ، والمقصود من هذه البيوت ما يؤخذ من الحجر والخشب والحديد والاسمنت وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ). تستخفونها أي حملها خفيف عليكم ، والظعن السفر ، والاقامة الحضر .. بعد أن ذكر البيوت الثابتة ذكر البيوت المتنقلة مع الإنسان من مكان الى مكان كالخيم ، وذكر سبحانه الجلود ، ولم يذكر الكتان والقنب ونحوه ، لأن الجلود كانت هي الغالبة في بلاد العرب .. ومهما يكن فإن قوائم البيت من أي نوع كانت فإنها تدل على وجود خالقها وصانعها .. وأعجبتني هنا عبارة لفقيه يتفاصح ، أنقلها بالحرف الواحد ، قال : «كل ما علاك فأظلك فهو سقف ، وكل ما أقلك فهو أرض ، وكل ما سترك من جهاتك الأربع فهو جدار ، فإذا انتظمت واتصلت فهو بيت».
والبيوت بشتى أنواعها من نعم الله تعالى على عباده ، ولا يعرف قدرها إلا الذين لا بيوت لهم ، وللبيت حرمته في الشريعة الاسلامية ، من ذلك أن لا يدخل الإنسان بيتا حتى يستأذن أهله ، قال تعالى : (فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) ـ ٢٨ النور.