ربه (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ). هذا هو إيمان محمد (ص) ، وهذه هي دعوته : يؤمن بالله وحده ، ويلتجئ اليه في جميع أموره ، ولا يرى لغيره من سلطان ، ويدعو الناس جميعا الى هذا الايمان ، وهي دعوة تدل على نفسها بنفسها.
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً). مر نظير هذه الآية في سورة الأنعام ، وتكلمنا حولها مفصلا بعنوان طراز من الناس في ج ٣ ص ٢٤٨. وأيضا يأتي مثلها في الآية ٩٠ وما بعدها من سورة الاسراء ، ونعطف على ما قدمناه ان هذه الآية تصور الطريقة التي يفكر بها الطغاة الذين تقوم حياتهم على استغلال الضعفاء واستعبادهم .. فلا الفطرة والعقل ، ولا الحس والمشاهدة ، ولا الخوارق والمعجزات ، ولا شيء يغير من عتو الطغاة المستغلين وضراوتهم .. والدافع الأول والأخير هو إخلاصهم لوجودهم وكيانهم الذي يقوم على السلب والنهب .. ومع هذا يريدهم محمد (ص) أن يعترفوا به وبالقرآن .. ولما ذا يعترفون؟. ألان الجبال تسير ـ بكتاب من السماء ـ بلا عجلات ، وتكلمهم الأموات؟. ثم ما ذا؟. وأية جدوى لهم في ذلك ، بل وفي رؤية الله وجها لوجه؟. هل تزداد أرباحهم ، وتكثر أموالهم؟.
هذا هو تفكيرهم ، وهذه هي اللغة التي يفهمونها ويصغون اليها ، ولا يستمعون إلى غيرها .. لغة الكسب والربح الجنيه والدولار ، اما الحق والعدل ، اما المنطق والعقل فحديث خرافة يصدقه الأطفال ، ويؤمن به الجهال .. وهل بعد هذا يسأل سائل : كيف لم يؤمن الطغاة بمحمد ، ودعوته دعوة العدل والإحسان؟. وأي ذنب أعظم من هذه الدعوة التي تستأصل الظلم والفساد من الجذور؟. وأي عاقل يوقع بيده الحكم بإعدامه؟.
بهذه الطريقة وحدها يفكر الذين تقوم حياتهم على السلب والنهب في كل زمان ومكان .. فكر بها أبو جهل وأبو سفيان في عهد محمد (ص) ، وفكر بها في