وطالبهم لقاء ذلك بالشكر والانقياد للحق ، وهددهم ان عصوا وتمردوا ، إذا كان الظل نعمة والثقب فضلا فكيف بالذهب الأسود الذي يتدفق أبحرا في البلاد العربية؟. وكيف بالفئة التي تتحكم به ، فتبني بثمنه ناطحات السحاب ، وتقتني الجواري والعبيد ، وتمتلك لرفاهيتها أسطولا من الطائرات والسيارات ، وتملأ الأرض إسرافا وفسادا؟.
لقد امتن الله على الماضين بالأنعام والخيل والبغال والحمير ، وبالبيوت من الحجر والجلد ، وبالاثاث من الصوف والوبر والشعر ، وبالسرابيل تقي من الحر والبرد ، بل امتن عليهم بالظل والثقب ، وطالبهم أن يشكروا ويتذكروا ، فكيف بالمترفين المنحرفين في هذا العصر الذين يسكنون الفيلات ، ويؤثثونها بمئات الألوف ، ويكيفون أجواءها كما يشتهون من دفء أو رطوبة ، وحولهم خيام اللاجئين وأكواخ المشردين؟. ومع هذا يدعون الايمان بالله واليوم الآخر.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) يا محمد ، وعلينا الحساب ، وقد أديت أنت الرسالة على أكمل الوجوه ، وسنوفيهم نحن حسابهم وجزاءهم. وتقدمت هذه الآية في سورة آل عمران الآية ٢٠ ج ٢ ص ٣٠ ، وفي الآية ٤٠ من سورة الرعد (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها). المراد بمعرفتهم إياها انهم يتنعمون بها ، وبإنكارهم انهم يسندونها الى غير الله ، أي انهم يأكلون رزق الله ، ويعبدون سواه (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) يجوز استعمال كلمة الأكثر في معناها الظاهر ، ويجوز أيضا استعمالها بالجميع. والمراد بها هنا كل من بلغه رسالة محمد (ص) وأنكرها عنادا للحق وتمردا عليه.
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ