الى الطباع من المجابهة بفساد العقيدة .. وقد ذكرنا الدليل على التوحيد في ج ٢ ص ٣٤٤ عند تفسير الآية ٤٨ من سورة النساء.
ثم خطا يوسف (ع) خطوة ثانية في الدعوة الى التوحيد ، ونبذ الشرك ، وقال : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ). انكم تعبدون مجرد أسماء لا وجود لمعانيها إطلاقا ، وكل ما لا وجود له لا أثر له ، وتستحيل اقامة الدليل عليه .. فمعبودكم ـ اذن ـ خيال في خيال .. وهكذا العالم الحكيم ينتقل من أسلوب الى أسلوب لاقناع الجاهل ، يلوح ثم يصرّخ حتى يصل الى ما يبتغيه من الإذعان والتسليم لدعوته.
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ). معنى لا تعبدوا الا إياه واضح ، أما معنى الحكم لله فيحتاج الى تفسير ، ويتلخص بأن حكم الله على قسمين : الأول قضاؤه وقدره ، وهذا لا مفر منه للإنسان. الثاني حلال الله وحرامه المعبّر عن كل منهما بالحكم الشرعي. ومعلوم ان الله تعالى لا يتصل بعباده بلا واسطة ، ويحكم بينهم مباشرة في هذه الحياة ، وانما يشرع الأحكام ويبلّغها لعباده بلسان أنبيائه. ورسله والمراد بالحكم لله المعنى الثاني وانه تعالى هو مصدر التشريع ، وليس الأفراد ولا الجماعات ، ولا أية سلطة الا الله وحده لا محلّل ولا محرم الا هو ، ومن حكم بشيء فلا يكون حكمه حقا وعدلا الا إذا كان على وفق ما أوحى الله ، وأجمع كلمة تعبّر عن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ـ ٤٥ المائدة» ، وفي آية ثانية هم الفاسقون ، وفي ثالثة هم الكافرون ، فأي حكم لا يعبّر عن ارادة الله ومرضاته فهو كفر وظلم وفسق ، وبتعبير ثان ان حكم الله أشبه بالخارطة يضعها المهندس للبنّاء ، ومن يتولى الحكم ويمارسه أشبه بالباني.
وقد استوحينا هذا التفسير من قول الإمام علي (ع) ، فإنه لما سمع قول الخوارج : لا حكم الا لله قال : «كلمة حق أريد بها باطل ، نعم لا حكم الا