الرازي عن أكثر المفسرين ان المراد بها مكة المكرمة .. ومهما يكن فإن هذه الأوصاف تنطبق على مكة وأهلها ، فان الناس يأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم ، ولا يخافون الغزو والسلب والنهب ، كما كان يخاف سائر العرب ، ولا يحتاج أهلها ان ينتجعوا الى البلدان ، لأن الرزق كان يأتيها من كل مكان استجابة لدعوة ابراهيم (ع) : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) ـ ٣٧ ابراهيم» وقد كفر أهل مكة بأنعم الله حيث كذبوا محمدا (ص) ، وهموا بقتله ، حتى اضطروه الى الهجرة من بلده.
وأصاب أهل مكة الجوع بدعاء رسول الله (ص) عليهم ، حيث قال : «اللهم أشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف». فاستجاب الله دعوته ، وأصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة والقراد والوبر معجونا بالدم ، وكان أحدهم ينظر الى السماء فيرى شبه الدخان من الجوع ، أما الخوف فقد زلزلت بهم الأرض سرايا رسول الله (ص).
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا