سؤال ثان : كان ابراهيم يدعو أباه إلى الإيمان ، ويلح عليه في هذه الدعوة ، ووعده ان يستغفر له : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ـ ٤ الممتحنة». وقد وفى ابراهيم بوعده واستغفر له : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) ـ ٤١ ابراهيم». فكيف استغفر ابراهيم لأبيه مع العلم بأن الاستغفار للمشركين غير جائز؟.
فأجاب سبحانه عن ذلك بقوله : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) أي ان ابراهيم (ع) إنما استغفر لأبيه لأنه كان قد وعده أن يؤمن بالله ، فلما نكث بالوعد ، وتبيّن انه غير صادق بوعده تبرأ منه .. وغير بعيد أن يكون دعاء ابراهيم لأبيه ، تماما كدعاء محمد (ص) لقومه المشركين ، أي لإسقاط حقه الشخصي ، لا إسقاط حق الله وطلب المغفرة من الشرك. ويشعر بذلك قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) والأواه الخاشع المتضرع ، والحليم من يعفو عند المقدرة ، وقد عفا ابراهيم (ع) عن قول أبيه له : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ـ ٤٦ مريم».
(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦))
المعنى :
(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) المراد ب (لِيُضِلَّ) الحساب والمؤاخذة ، وب (قَوْماً) المؤمنون خاصة بدليل قوله : (بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ)