وإذا بطل القول بأن الآيتين نزلتا في أبي طالب ، ولم تثبت صحة الرواية بأنهما نزلتا في ام النبي (ص) تعين القول الأول ، اي انهما نزلتا في قوم من المؤمنين كانوا يستغفرون أو يحاولون الاستغفار لموتاهم المشركين. وظاهر الآيتين صريح في ذلك.
المعنى :
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى). جاء في تفسير الطبري : «ان رجالا من أصحاب النبي (ص) قالوا : يا نبي الله ان من آبائنا من كان يحسن الجوار ، ويصل الأرحام ، ويفك العاني ، ويوفي بالذمم ، أفلا تستغفر لهم؟. قال : بلى ولأستغفرن لأبي كما استغفر ابراهيم لأبيه. فأنزل الله .. ما كان لنبي الخ».
وتسأل : كيف اذن النبي (ص) لأصحابه بالاستغفار لآبائهم المشركين ، وهو محرم؟.
الجواب : كل شيء جائز حتى يرد النهي عنه ، وحين أذن النبي بالاستغفار لم يكن النهي عنه قد نزل من السماء ، وبعد نزوله منعهم عنه.
ثم بيّن سبحانه سبب النهي في قوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ). تدلنا هذه الآية على ان الإنسان يحكم عليه بظاهر حاله كفرا وإيمانا ، وان من كان ظاهره الكفر لا يجوز الاستغفار له ، ولا الترحم عليه.
وتسأل : إذا كان الاستغفار للمشركين محرما فكيف استغفر النبي لقومه حين كسروا رباعيته ، وشجوا وجهه ، فلقد ثبت انه قال : اللهم اغفر لقومي انهم لا يعلمون؟
وأجاب عن هذا السؤال كثير من المفسرين بأن الآية نهت عن الاستغفار للمشركين الأموات ، دون الأحياء الذين يرجى ايمانهم. والذي نراه في الجواب ان الاستغفار منه (ص) كان لإسقاط حقه الشخصي عن المشركين ، لا لإسقاط حقوق الله ، وطلب الغفران عن الشرك. وليس من شك ان لكل انسان أن يسقط حقه الخاص عن المسلم والكافر.