من عبادة المشركين للأصنام ، وانكارهم نبوتك فإن تكذيبهم بالبعث أعجب وأغرب ، ذلك انهم يعترفون بأنه تعالى خلق الكون وأوجده ، ومن قدر على ذلك فبالأولى ان يقدر على اعادة الإنسان بعد موته.
(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). ذكر سبحانه أولئك ثلاث مرات مبالغة في التهديد والتعبير عن غضبه وسخطه .. وقوله : أولئك الذين كفروا بربهم يدل على ان من آمن بان الله هو خالق الكون يلزمه حتما أن يؤمن بأنه تعالى قادر على ان يبعث من في القبور ، ومن أنكر ذلك فقد كفر بالله من حيث يريد أو لا يريد ، ومن جمع بين الإيمان بالله ، وبين الإيمان بعجزه عن احياء الأموات فقد جمع بين النقيضين والمشركون قد أنكروا البعث لأن الله بزعمهم لا يقدر عليه كما يشعر قولهم : أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد .. اذن ، هم منكرون لله في واقعهم ، وان اعترفوا به بألسنتهم.
أنكر الماديون وجود الله ، وبالأولى أن ينكروا الحياة بعد الموت ، ودليلهم واحد لا تبديل فيه ولا تعديل ، وهو كل ما يظهر للحواس عيانا ومشاهدة يجب الايمان به ، وكل ما يخفى عليها يجب نفيه وإنكاره ، فالحواس هي الأول والآخر ، والظاهر والباطن على حد تعبيرهم .. اذن ، كيف يؤمنون بالجنة ولم يأكلوا ثمارها؟ وكيف يعتقدون بجهنم ولم تصلهم بنارها؟.
ونحن نسألهم بدورنا : من أين لكم هذا العلم أو الايمان بأن الحواس الظاهرة هي وحدها طريق الحق والواقع ، وما عداها لغو وكلام فارغ؟ على حد تعبيرهم أيضا. فإن قلتم جاءنا من شهادة الحواس قلنا : نحن عندنا حواس ، وما رأينا أحدا ـ غيركم ـ يقول : لا تصدقوا الا الحواس. وان قلتم : جاءنا من غير الحواس فقد ناقضتم أنفسكم بأنفسكم ، حيث آمنتم بما لا شاهد عليه من الحواس.
في سنة ١٩٦٢ ألّفت كتابا في الرد على الماديين ، وهو كتاب «فلسفة المبدأ